عدالة الصحابة رضى الله عنهم ودفع الشبهات
عدالة الصحابة رضى الله عنهم ودفع الشبهات
اصناف
هذا الكتاب
يتناول فيه المؤلف الرد علي الطاعنين في عدالة صحابة سيدنا رسول الله ﷺ، من أعداء الإسلام من المستشرقين، وأذيالهم ممن يسمون أنفسهم (القرآنيون) وذلك من خلال عدة قضايا أهمها مايلى:
- بيان أن الصحابة ﵃ هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله ﷿، وسنة رسوله ﷺ، فالغض من شأنهم والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الإعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه، ولا يوائم المهمة لكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها. كما أن الطعن فيهم والتجريح لهم، يقوض دعائم الشريعة، ويشكك فى صحة القرآن، ويضيع الثقة بسنة سيدالأنام ﷺ!؛ فضلاَ عن أنه تجريح وقدح فيمن بوأهم تلك المكانة، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس!!!
- بيان أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله - سترهم، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى ﷺ وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام، وماتوا على ردتهم، هم بمعزل من شرف الصحبة، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها هؤلاء؛ وأولئك.
- إن الآيات القرآنية، التى جاء فيها عتاب للصحابة أو لبعضهم لارتكابهم بعض المعاصى لخير دليل شاهد على أن المراد بعدالتهم جميعًا؛ عصمتهم من الكذب فى حديث سيدنا رسول الله ﷺ، وليس معنى عدالتهم عصمتهم من المعاصى أو من السهو أو الغلط، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، وحتى مع ارتكاب بعضهم لبعض الذنوب، فقد امتن الله ﷿ عليهم بالتوبة والمغفرة لذنوبهم؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
1 / 1
- أن الصورة الحقيقية لسيدنا معاوية ﵁، تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة؛ ومن تابعهم من أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله ﷺ، وعن الصحابة، والتابعين، من الشهادة له بالصحبة، والفقه، والملك العادل، وحسن السيرة، حتى شهد له من أدركه كمجاهد؛ والأعمش بأنه المهدى.
- ما اتهم به سيدنا أبو هريرة ﵁، من أكاذيب وافتراءات من قبل أرباب الأهواء قديمًا وحديثًا، سندهم فيه إما روايات مكذوبة أو ضعيفة، وإما روايات صحيحة لم يفهموها على وجهها، بل تأولوها تأويلًا باطلًا يتفق وأهواءهم.
ونسأل الله ﷿ التوفيق والسداد ...
1 / 2
عدالة الصحابة رضى الله عنهم
في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية
ودفع الشبهات
الدكتور
عماد السيد الشربيني
مدرس الحديث وعلومه
بجامعة الأزهر
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٥ م
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله ﷿
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (١) .
وقال رسول الله ﷺ
" إن الله اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة:
أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًا ﵃ فجعلهم أصحابي
قال في أصحابي كلهم خير، وأختار أمتي على الأمم
وأختار من أمتي أربعة قرون
القرن الأول، والثاني، والثالث، والرابع " (٢) .
_________
(١) الآية ٢٩ من سورة الفتح.
(٢) سيأتي تخريجه ص ٢٠.
1 / 4
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلي آله، وصحبه البررة الأوفياء، أئمة الدين، وصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عمن تبع سنتهم، وسلك طريقتهم، واقتفى أثرهم، ونصرهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد
فإن الطعن فى عدالة رواة السنة النبوية من صحابة رسول الله ﷺ، والتابعين فمن بعدهم إلى الأئمة أصحاب المصنفات الحديثية، من وسائل غلاة المبتدعة الرافضة، والخوارج، والمعتزلة، والزنادقة (١) - فى الطعن فى السنة النبوية.
وغرضهم من ذلك تحطيم الوسيلة التى وصلت السنة النبوية بها إلينا، وإذا تحطمت الوسيلة يصبح الأصل معتمدًا على لا شئ فيصبح لا شئ.
وقديمًا صرح بذلك أحد الزنادقة فيما رواه الخطيب البغدادي فى تاريخه عن أبى داود السجستانى قال: "لماء جاء الرشيد بشاكر - رأس الزنادقة ليضرب عنقه - قال: أخبرنى، لم تعلِّمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض - أى الطعن فى الصحابة -؟ قال: إنا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة؛ أوشك أن نبطل المنقول" (٢) .
وبذلك صرح ذيل (شاكر) محمود أبو ريه فى كتابه أضواء على السنة قائلًا: "إن عدالة الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء" (٣) .
نعم: إن الصحابة ﵃ "هم حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، عنهم قبل غيرهم تلقت الأمة كتاب الله ﷿، وسنة رسوله ﷺ، فالغض من شأنهم والتحقير لهم، بل النظر إليهم بالعين المجردة من الإعتبار، لا يتفق والمركز السامى الذي تبوءوه، ولا يوائم المهمة الكبرى التى انتدبوا لها ونهضوا بها.
_________
(١) حكاه عنهم الشاطبى فى الإعتصام ١/١٨٦، والبغدادي فى أصول الدين ص ١٩، وابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث ص ٢٨.
(٢) ينظر: تاريخ بغداد ٤/٣٠٨.
(٣) أضواء على السنة ص ٣٤٠.
1 / 5
كما أن الطعن فيهم، والتجريح لهم؛ يغال فى الباطل!، وتهجم على الأكابر، وجرح لشعور المسلمين، وهو مرفوض بادئ ذى بدء، كما أنه يقوض دعائم الشريعة، ويشكك فى صحة القرآن، ويضيع الثقة بسنة سيد الأنام ﷺ!؛ فضلاَ عن أنه تجريح وقدح، فيمن بوأهم تلك المكانة، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس!!! . ولا يقبل عاقل مثل هذا القول!!.
لذلك عنى علماء الإسلام قديمًا وحديثًا، بالدفاع عن عدالة الصحابة، لأنه - كما رأيت - دفاع عن الإسلام، ولم يكن ذلك الدفاع نزوة هوى، ولا عصبية؛ بل كان نتيجة لدراسات تحليلية وأبحاث تاريخية، وتحقيقات بارعة واسعة، عرضتهم على أدق موازين الرجال؛ مما تباهى به الأمة الإسلامية كافة الأمم والأجيال.
وبعد هذا التحقيق والتدقيق، خرج الصحابة ﵃ من بوتقة هذا البحث، وإذا هم خير أمة أخرجت للناس، وأسمى طائفة عرفها التاريخ، وأنبل أصحاب لنبي ظهر على وجه الأرض، وأوعى وأضبط جماعة لما استحفظوا عليه من كتاب الله ﷿، وهدى رسول الله ﷺ، وقد اضطر أهل السنة والجماعة، أن يعلنوا رأيهم هذا كعقيدة، فقرروا أن الصحابة كلهم عدول. ولم يشذ عن هذا الرأى إلا المبتدعة والزنادقة قبحهم الله" (١) .
وطعون المبتدعة والزنادقة قديمًا وحديثًا فى صحابة سيدنا رسول الله ﷺ كثيرة.
وسوف أتناول هنا بمشيئة الله تعالى نماذج من تلك الطعون والشبهات؛ التي طعنوا بها في عدالة الصحابة، استعرضها وأفندها.
على أن أًفرد أيضًا ترجمة لراوية الإسلام الأول أبو هريرة ﵁ لنتعرف على مكانته فى الإسلام.
وهذا البحث يقع في ثمانية مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالصحابة لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني: التعريف بالعدالة لغة واصطلاحًا.
_________
(١) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ محمد الزرقانى ١/٣٣٤، ٣٣٥.
1 / 6
المبحث الثالث: أدلة عدالة الصحابةرضي الله عنهم.
المبحث الرابع: شبهات حول عدالة الصحابة والرد عليها.
المبحث الخامس: سنة الصحابة ﵃ حجة شرعية.
المبحث السادس: من أراد معاوية ﵁ فإنما أراد الصحابة جميعًا ﵃.
المبحث السابع: شبهات حول راوية السنة الأول (أبو هريرةرضي الله عنه) والرد عليها.
المبحث الثامن: حكم الطاعن فى عدالة الصحابة ﵃.
الخاتمة: في نتائج هذا البحث، وفهرس الموضوعات.
منهجي في البحث:
١ـ استعرضت شبه ومطاعن أهل الزيغ والهوي، قديمَا وحديثَا، المتضمنة الطعن في عدالة
صحابة سيدنا رسول الله ﷺ، وقرنت ذلك بالرد الحاسم الذي يبين بطلان وزيف تلك
الشبه والمطاعن معتمدَا في ذلك علي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والسيرة العطرة،
وكلام أهل السنة قديمَا وحديثَا.
٢ - بينت مواضع الآيات التي وردت في البحث بذكر اسم السورة، ورقم الآية في الهامش، مع
وضع الآية بين قوسين.
٣ - عزوت الأحاديث التي أوردتها في البحث إلي مصادرها الأصلية، من كتب السنة المعتمدة
فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، بذكر اسم الكتاب، واسم
الباب، وذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث، وأقدم في التخريج من ذكرت لفظه، مع البيان
غالبًا لدرجة الحديث، من خلال أقوال أهل العلم بالحديث، أو دراستي للسند، إن كان الحديث
في غير الصحيحين، وفيما عدا ذلك اقتصر على ما يفيد ثبوت الحديث أورده.
٤ - اعتمدت في التخريج من الصحيحين على طبعتى البخارى "بشرح فتح البارى" لابن حجر،
والمنهاج "شرح صحيح مسلم" للنووي، لصحة متون الأحاديث في الشرحين، ولصحة
عرضهما على أصول الصحيحين، وتسهيلًا للقارئ لكثرة تداول تلك الشروح، وإتمامًا
للفائدة بالإطلاع على فقه الحديث المخرَّج.
1 / 7
٥ - التزمت عند النقل من أي مرجع، أوالإستفادة منه الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته
بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع في الفهرست.
٦ـ عند النقل من فتح البارى، أو المنهاج شرح مسلم للنووي، أذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الحديث الوارد فيه الكلام المنقول، تيسيرًا للوصول إلى الكلام المنقول، نظرًا
لاختلاف رقم الصفحات تبعًا للطبعات المتعددة.
٧ـ اكتفيت في تراجم الأعلام من الصحابة بذكر مصادر تراجمهم بذكر رقم الجزء والصفحة
ورقم الترجمة، ولم أترجم لهم لعدالتهم جميعا، ولم أخالف في ذلك إلا في القليل عندما
تقتضى الترجمة الدفاع عن شبهة.
٨ - ترجمت لكثير من الأعلام الذين جرى نقل شئ من كلامهم، مع ذكر مصادر تراجمهم،
بذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الترجمة.
٩- شرحت المفردات الغريبة التي وردت في بعض الأحاديث مستعينًا في ذلك بكتب غريب
الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث.
والله ﷿ أسال أن ينفع بما كتبت، وأن يتقبله خالصَا لوجهه الكريم.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ومولانا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الراجي عفو ربه الكريم
أبو نور الدين
د/ عماد السيد محمد الشربيني
مدرس الحديث وعلومه
بكلية أصول الدين
جامعة الأزهر
1 / 8
المبحث الأول: التعريف بالصحابة لغةً واصطلاحًا
... الصحابة فى اللغة: يقال صحب أى دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكل شئ لازم شيئًا فقد استصحبه (١) .
... وقال أبو بكر الباقلانى (٢): "لا خلاف بين أهل اللغة فى أن القول "صحابى" مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلًا كان أو كثيرًا ... يقال صحبت فلانًا حولًا، ودهرًا، وسنة، وشهرًا، ويومًا، وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيرة.
وذلك يوجب فى حكم اللغة: إجراء هذا على من صحب سيدنا رسول الله ﷺ أى قدر من الوقت. (٣) .
... وقال الإمام ابن تيمية (٤)
_________
(١) لسان العرب ١/٥١٩، والقاموس المحيط ١/٩١، والصحاح للجوهرى ١/١٦٢، ومختار الصحاح ص ٣٥٦.
(٢) هو محمد بن الطيب بن محمد، القاضى أبو بكر الباقلانى، البصرى المالكى الأشعرى الأصولى المتكلم، صاحب المصنفات الكثيرة فى علم الكلام وغيره توفى سنة ٤٠٣هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب ٣٦٣ رقم ٤٩٠، وشذرات الذهب ٣/١٦٨، ووفيات الأعيان ٣/٤٠٠ رقم ٥٨٠، وسير أعلام النبلاء ١١/٤٣ رقم ٣٧٣٤، وشجرة النور الزكية ١/٩٢ رقم ٢٠٩.
(٣) ينظر: الكفاية ص ١٠٠، وأسد الغابة ١/١١٩، ١٢٠.
(٤) هو: أحمد بن عبد الحليم بن تيميه، الحرانى الدمشقى، تقى الدين، أبو العباس، الإمام المحقق، الحافظ، المفسر، الأصولى، الأديب، النحوى، بلغت تصانيفه ثلاثمائة مجلد: منها رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ومنهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، وغير ذلك مات سنة ٧٢٧هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ ٤/١٤٩٦ رقم ١١٧٥، والدر الكامنة لابن حجر ١/١٤٤ رقم ٤٠٩، وطبقات المفسرين للداودى ١/٤٦ رقم ٤٢.
1 / 9
: "والأصحاب جمع صاحب، والصاحب اسم فاعل من صحبه يصحبه، وذلك يقع على قليل الصحبه وكثيرها" (١) . وعلى هذا التعريف اللغوى جرى أصحاب الحديث فى تعريفهم بالصحابى اصطلاحًا: فذهبوا إلى إطلاق (الصحابى) على كل من صحب سيدنا رسول الله ﷺ، ولو ساعة واحدة فما فوقها.
الصحابة فى الاصطلاح:
قال الإمام بدر الدين الزركشى (٢): "ذهب الأكثرون إلى أن الصحابى من اجتمع - مؤمنًا - بسيدنا محمد ﷺ وصحبه ولو ساعة، روى عنه أو لا، لأن اللغة تقتضى ذلك، وإن كان العرف يقتضى طول الصحبة وكثرتها ... وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين، أما عند أصحاب الحديث فيتوسعون فى تعريفهم لشرف منزلة النبى ﷺ (٣) .
... يقول الإمام ابن حزم (٤)
_________
(١) الصارم المسلول ص ٥٧٥، وينظر: الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى ١/٥٧ - ٦٠. قرر بتوسع، واستدل أن تسمية يسير المخالطة (صحبة) ثابت بالكتاب والسنة، وعبارات الأئمة أ. هـ.
(٢) هو: محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله الزركشى، الشافعى، الفقيه الأصولى المحدث، من مؤلفاته "البحر المحيط" و"شرح جمع الجوامع" توفى سنة٧٩٤هـ له ترجمة فى شذرات الذهب ٦/٣٣٥، والفتح المبين فى طبقات الأصوليين لعبد الله مصطفى المراغى ٢/٢٠٩.
(٣) البحر المحيط فى أصول الفقه ٤/٣٠١، ٣٤٩.
(٤) هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها: الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة ٤٥٦هـ له ترجمة فى: لسان الميزان لابن حجر ٤/٧٢٤ رقم ٥٧٨٢، وتذكرة الحفاظ للذهبى ٣/١١٤٦ رقم ١٠١٦، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٣/٣٢٥ رقم٤٤٨.
1 / 10
: " فأما الصحابة ﵃ فهم كل من جالس النبى ﷺ ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه ﵇ أمرًا يعيه " (١) .
والتعريفات التى وضعها العلماء للصحابة (اصطلاحًا) كثيرة، ولكن التعريف الصحيح المعتمد هو ما قرره الحافظ ابن حجر (٢) بقوله: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابى هو من لقى النبى ﷺ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة على الأصح.
ثم شرح التعريف فقال: "فيدخل فيمن لقيه" من طالت مجالسته له، أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية، ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ومن هنا كان التعبير بالًّلقِىِّ أولى من قول بعضهم: "الصحابى من رأى النبى ﷺ " لأنه يخرج حينئذ ابن أم مكتوم ونحوه من العميان وهم صحابة بلا تردد.
ويخرج "بقيد الإيمان" من لقيه كافرًا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
وقولنا"به"يخرج من لقيه مؤمنًا بغيره كمن لقيه مؤمنًا من مؤمنى أهل الكتاب قبل البعثة.
ويدخل فى قولنا "مؤمنًا به" كل مكلف من الجن والإنس ...٠
_________
(١) الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم ٥/٨٦.
(٢) هو: أحمد بن على بن محمد العسقلانى، أبو الفضل، أصله من عسقلان بفلسطين، ولكنه ولد بالقاهرة، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه، من مصنفاته النفيسة التى عم النفع بها "فتح البارى بشرح صحيح البخارى" و"الإصابة فى معرفة الصحابة" وغير ذلك مات سنة ٨٥٢هـ له ترجمة فى: الضوء اللامع للسخاوى ٢/٣٦ رقم ١٠٤، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص٥٥٢ رقم ١١٩٠، والبدر الطالع للشوكانى ١/٨٧ رقم ٥١.
1 / 11
وخرج بقولنا "ومات على الإسلام" من لقيه مؤمنًا به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله - كعبيد الله بن جحش، وابن خطل، ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به ﷺ مرة أخرى أم لا، كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد ثم أسلم فى حياة رسول الله ﷺ، لكنه لم يلقه. وأتى به إلى أبى بكر الصديق أسيرا ً، فعاد إلى الإسلام فقبل منه، وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره فى الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه فى المسانيد وغيرها.
... وهذا هو الصحيح المعتمد، ووراء ذلك أقوال شاذة أخرى كقول من قال لا يعد صحابيًا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة:
من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه، وكذا من اشترط فى صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت" (١) .
قال الحافظ السيوطى (٢) مؤيدًا الحافظ ابن حجر- رحمهما الله تعالى-:
"وهو المعتبر " (٣) .
_________
(١) ينظر: الإصابة ١/١٠ - ١٢، ونزهة النظر ص ٥١، ٥٢.
(٢) هو: عبد الرحمن بن أبى بكر محمد السيوطى، جلال الدين، كان إمامًا حافظًا بارعًا، ذا قدم
راسخة فى علوم شت، فكان مفسرًا، محدثًا، فقيهًا، أصوليًا، لغويًا، مؤرخًا، له مؤلفات بلغت نحو ستمائة مصنف منها: الأشباه والنظائر فى القواعد الفقيهة، والأشباه والنظائر فى العربية، والدر المنثور فى التفسير بالمأثور، والجامع الكبير والصغير، مات سنة ٩١١هـ له ترجمة فى: حسن المحاضرة للسيوطى ١/٣٣٥ رقم ٧٧، وطبقات المفسرين للسيوطى ص٣، والبدر الطالع للشوكانى ١/٣٢٨ رقم ٢٢٨.
(٣) تدريب الراوى ٢/٢١٦.
1 / 12
وذهب إليه الجمهور من الأصوليين، منهم الآمدى فى الإحكام (١)، وابن عبد الشكور فى فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت (٢)، والزركشى فى البحر المحيط (٣)، والشوكانى فى إرشاد الفحول (٤) وغيرهم.
ويقول الحافظ السخاوى (٥) مؤيدًا رأى شيخه ابن حجر "والعمل عليه عند المحدثين والأصوليين" (٦) .
_________
(١) ينظر: الإحكام للآمدى ٢/٨٤، ٨٥.
(٢) ينظر: فواتح الرحموت ٢/ ١٥٨.
(٣) ينظر: البحر المحيط ٤/٣٠٢، ٣٠٥.
(٤) ينظر: إرشاد الفحول ١/٢٧٩، ٢٨٠.
(٥) هو: أبو عبد الله، محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر، السخاوى الأصل، المصرى المولد والنشأة، الشافعى المذهب، ينسب " لسخا " قرية غربى الفسطاط بمصر، برع فى العلوم النقلية والعقلية، وانتهت إليه رياسة علم الحديث، وعلم التاريخ، ولازم شيخه ابن حجر، حتى شهد له بأنه أمثل جماعته، من مؤلفاته النافعة: فتح المغيث شرح ألفية الحديث، وشرح التقريب للنووى، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، وغيرها الكثير. مات سنة ٩٠٢ هـ. له ترجمة فى: الضوء اللامع ٨ /٢-٣٢، والبدر الطالع ٢ /١٨٤-١٨٧.، ومعجم المؤلفين ١٠ / ١٥٠- ١٥١.
(٦) ينظر: فتح المغيث للسخاوى ٣/ ٨٥.
1 / 13
السر فى التعميم فى تعريف الصحابى:
... التعميم فى تعريف الصحابى نظرًا إلى أصل فضل الصحبة، ولشرف منزلة النبى ﷺ، ولأن لرؤية نور النبوة قوة سريان فى قلب المؤمن، فتظهر آثارها على جوارح الرائى فى الطاعة والاستقامة مدى الحياة، ببركته ﷺ ويشهد لهذا قوله ﷺ: " طوبى لمن رآنى وآمن بى، وطوبى لمن رأى من رآنى، ولمن رأى من رأى من رآنى وآمن بى " (١) .
وفى ذلك يقول الإمام السبكى (٢): "والصحابى هو كل من رأى النبى ﷺ مسلمًا، وقيل: من طالت مجالسته، والصحيح الأول، وذلك لشرف الصحبة، وعظم رؤية النبى ﷺ، وذلك أن رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد الصالحين؟! فإذا رآه مسلم ولو لحظة، انطبع قلبه على الاستقامة، لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم، أشرق عليه وظهر أثره فى قلبه وعلى جوارحه" (٣) .
_________
(١) أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر فضائل الأمة بعد الصحابة والتابعين٤/٩٦ رقم ٦٩٩٤، من حديث عبد الله بن بسررضي الله عنه، وقال الحاكم هذا حديث قد روى بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك ﵁ مما علونا فى أسانيد منها، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرناه، وقال الذهبى (جميع بن ثوب) واه. والقول ما قاله الحاكم. ينظر: مجمع الزوائد ١٠/٢٠.
(٢) هو: الإمام الفقيه، المحدث الحافظ، المفسر الأصولى، على بن عبد الكافى بن يوسف، شيخ الإسلام، قال فيه ولده ليس بعد الذهبى، والمزى، أحفظ منه. مات سنة ٧٥٦ هـ. له ترجمة فى: طبقات الحفاظ للسيوطى ص٥٢٥، ٥٢٦ رقم ١١٤٨، والبداية والنهاية لابن كثير ١٤/١٩٥، وطبقات المفسرين للداودى١/٤١٦رقم٣٦٠.
(٣) الإبهاج فى شرح المنهاج ١/١٥، وينظر: البحر المحيط للزركشى ٤/٣٠١، وفتح البارى ٧/٩ رقم ٣٦٥١ حديث (خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم - الحديث) .
1 / 14
يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ﵀: "فالتعميم فى تعريف (الصحابى) نظرًا إلى أصل فضل الصحبة، وأما تفاوت من يشملهم هذا اللقب فى الفضل والدين وسائر خصال الخير ... فهذا أمر وراء ذلك" (١) أ. هـ.
طريق معرفة الصحبة:
... تثبت الصحبة بأمور متعددة منها:
التواتر كأبى بكر الصديق المعنى بقوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ (٢) وسائر العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.
أو باشتهار قاصر عن التواتر؛ وهو الاستفاضة، كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة
وغيرهما.
أو بقول صاحب آخر معلوم الصحبة، إما بتصريح بها كأن يجئ عنه أن فلانًا له صحبة
مثلًا أو نحوه، كقوله: كنت أنا وفلان عند النبى ﷺ، أو دخلنا على النبى ﷺ.
بشرط أن يعرف إسلام المذكور فى تلك الحالة.
٤- وكذا تعرف بقول آحاد ثقات التابعين؛ على الراجح من قبول التزكية من عدل واحد" (٣) .
انتهى.
_________
(١) لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث ص ٥١.
(٢) جزء من الآية ٤٠ من سورة التوبة.
(٣) ينظر: فتح المغيث للسخاوى٣/٨٧، ٨٨، وتدريب الراوى٢/٢١٣،٢١٤، والكفاية ص٩٨-١٠١.
1 / 15
المبحث الثانى: التعريف بالعدالة لغة واصطلاحًا
... العدالة لغة: العدل ضد الجور، يقال عدل عليه فى القضية فهو عادل، وبسط الوالى عدله ومَعْدِلَتَه - بكسر الدال وفتحها -، وفلان من أهل المَعْدَلَة - بفتح الدال -، أى: من أهل العدل، ورجل عدل، أى: رضا ومقنع فى الشهادة.
والعدالة: وصف بالمصدر معناه ذو عدل، قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ (١) ويقال: رجل عدل ورجلان عدل، ورجال عدل، وامرأة عدل، ونسوة عدل، كل ذلك على معنى رجال ذوو عدل، ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، فإن رأيته مجموعًا، أو مثنى أو مؤنثًا، فعلى أنه قد أجرى مجرى الوصف الذى ليس بمصدر، وتعديل الشئ تقويمه، يقال عدلته فاعتدل، أى قومته فاستقام (٢) أ. هـ
فمن هذه التعاريف اللغوية يتبين أن معنى العدالة فى اللغة الاستقامة، والعدل هو المتوسط فى الأمور من غير إفراط فى طرفى الزيادة والنقصان، ومنه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (٣) أى عدلًا فالوسط والعدل بمعنى واحد (٤) .
والعدالة اصطلاحًا: تنوعت فيها عبارات العلماء من محدثين وأصوليين وفقهاء، إلا أنها ترجع إلى معنى واحد وهو أنها: ملكة أى صفة راسخة فى النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.
... والتقوى ضابطها: امتثال المأمورات، واجتناب المنهيات من الكبائر ظاهرًا، وباطنًا من شرك أو فسق أو بدعة.
... والمروءة ضابطها: آداب نفسية تحمل صاحبها على التحلى بالفضائل، والتخلى عن الرذائل، وترجع معرفتها إلى العرف.
وليس المراد بالعرف هنا سيرة مطلق الناس بل الذين نقتدى بهم.
_________
(١) جزء من الآية ٢ من سورة الطلاق.
(٢) ينظر: لسان العرب ١١/٤٣٠، والصحاح للجوهرى ٥/١٧٦٠ - ١٧٦١، ومختار الصحاح ٤١٧، والقاموس المحيط ٤/١٣، والمصباح المنير ٢/٣٩٧.
(٣) الآية ١٤٣ من سورة البقرة.
(٤) الإحكام للآمدى ٢/٦٩، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث لفضيلة الدكتور التازى ٢/٦٤.
1 / 16
.. ولا تتحقق العدالة فى الراوى إلا إذا اتصف بصفات خمسة: الإسلام، والبلوغ والعقل، والسلامة من أسباب الفسق، وخوارم المروءة (١) .
وليس المقصود من العدل أن يكون بريئًا من كل ذنب، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين، والتحرى فى فعل الطاعات.
وفى ذلك يقول الإمام الشافعى: " لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلًا، ولو كان كل مذنب عدلًا لم نجد مجروحًا، ولكن العدل من اجتنب الكبائر؛ وكانت محاسنه أكثر من مساويه " (٢) .
ويعبر أبو يوسف عن هذا الإتجاه حين يقول: "من سلم أن تكون منه كبيرة من الكبائر التى أوعد الله تعالى عليها النار، وكانت محاسنه أكثر من مساوئه فهو عدل " (٣) .
ونخلص مما سبق فيما يخص بتعريف الصحابة ﵃ أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله - سترهم، ووقف المسلمون على حقيقة أمرهم، والمرتدين الذين ارتدوا فى حياة النبى وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام، وماتوا على ردتهم، هم بمعزل من شرف هذه الصحبة، وبالتالى بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول، وفى تعريف العلماء للصحبة ما ينفى عنها؛ هؤلاء وأولئك.
ومعنى عدالة الصحابة: " أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله ﷺ، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور.
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصى أو من السهو أو الغلط فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم.
_________
(١) يٍنظر: فتح المغيث للسخاوى ٣/٣١٥ - ٣١٧، وتوضيح الأفكار للصنعانى ٢/١١٤ - ١١٨، ومقاصد الحديث فى القديم والحديث للدكتور التازى ٢/٦٥، ٦٦.
(٢) ينظر: الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم لابن الوزير اليمانى ١/٢٨.
(٣) نقلًا عن توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص ١٢٩.
1 / 17
ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثمًا ثم حدوا - كان ذلك كفارة لهم - وتابوا وحسنت توبتهم، وهم فى نفس الوقت قلة نادرة جدًا؛ لا ينبغى أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم، وجانبوا المآثم، والمعاصى ما كبر منها وما صغر، وما ظهر منها وما بطن، والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا " (١) أ. هـ.
ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى (٢) بقوله: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية عليهم، وإنما المراد: قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد! فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله ﷺ، حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح " (٣) أهـ.
_________
(١) دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص ٩٢، ٢٤٤ بتقديم وتأخير وينظر: الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص ١٥٠ وما بعدها، وتدريب الراوى ٢/٢١٦ هامش.
(٢) الأبيارى هو: على بن إسماعيل بن على بن عطية الأبيارى، نسبه إلى "إبيار" بلدة بمديرية الغربية، وهى بفتح الهمزة وبعدها ياء مثناة من تحت وبعدها ألف، ثم راء مهملة، وبعضهم يصحفها بانبار بنون بعد الهمزة. وهو من العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، فقيه مالكى محدث أصولى. من مؤلفاته "شرح البرهان" لإمام الحرمين فى الفقه مات سنة ٦١٨هـ. له ترجمة فى: الديباج المذهب ٣٠٦ رقم ٤٠٩، وحسن المحاضرة للسيوطى ١/٤٥٤، وشجرة النور الزكية ١/١٦٦ رقم ٥٢٠.
(٣) ينظر: فتح المغيث للسخاوى٣/٩٦،وفتح الباقى على الفية العراقى للإمام زكريا الأنصارى ٣/١٤، والبحر المحيط للزركشى ٤/٣٠٠، وإرشاد الفحول ١/٢٧٨، والشفا للقاضى عياض ٢/٥٢.
1 / 18
المبحث الثالث: أدلة عدالة الصحابة ﵃
... إن العدالة التى نثبتها لصحابة سيدنا رسول الله ﷺ لم نعطها هبة لهم من عند أنفسنا - فنحن أقل من ذلك فضلًا عن أننا لا نملك ذلك، وإنما العدالة ثابتة لهم جميعًا بنص الكتاب العزيز، والسنة الشريفة - سواء منهم من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك فى الغزوات ومن لم يشترك، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها (١) . فهذه العدالة لهم جميعًا تضافرت عليها الأدلة من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة.
أولًا: دلالة القرآن الكريم على عدالة الصحابة ﵃:
لقد وصف رب العزة صحابة رسول الله ﷺ بالعدالة وأثنى عليهم فى آيات يطول ذكرها منها مايلى:
_________
(١) ينظر: تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان ص٩٥بتقديم وتأخير.
1 / 19
١- قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (١) ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة ﵃ أن وسطًا بمعنى "عدولًا خيارًا" (٢)، ولأنهم المخاطبون بهذه الآية مباشرة (٣) . وقد ذكر بعض أهل العلم أن اللفظ وإن كان عامًا إلا أن المراد به الخصوص، وقيل: "إنه وارد فى الصحابة دون غيرهم (٤) .
٢- وقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (٥) ووجه دلالة هذه الآية على عدالة الصحابة ﵃ أنها أثبتت الخيرية المطلقة لهذه الأمة على سائر الأمم قبلها، وأول من يدخل فى هذه الخيرية المخاطبون بهذه الآية مباشرة عند النزول، وهم الصحابة الكرام ﵃، وذلك يقتضى استقامتهم فى كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، ومن البعيد أن يصفهم الله ﷿ بأنهم خير أمة ولا يكونوا أهل عدل واستقامة، وهل الخيرية إلا ذلك؟
_________
(١) الآية ١٤٣ من سورة البقرة.
(٢) ينظر: جامع البيان للطبرى ٢/٧، وتفسير الرازى ٤/٩٧، والجامع لأحكام القرآن ٢/١٥٤، وتفسير القرآن العظيم ١/١٩٠.
(٣) ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذى فى سنته عن بهز عن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبى ﷺ يقول فى قوله: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" قال ﷺ إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" أ. هـ أخرجه الترمذى كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران ٥/٢١١ رقم ٣٠٠١، وقال الترمذى: هذا حديث حسن.
(٤) ينظر: الكفاية ص ٩٣.
(٥) الآية ١١٠ من سورة آل عمران.
1 / 20