الضحك والهزل
يخلط الكثيرون بين الضحك والهزل، وربما كان ذلك الخلط هو سر شيوع المهازل التي تسمى - تجاوزا - بالهزليات المسرحية أي «الفارس
FARCE » وهي أبعد ما تكون في الحقيقة حتى عن هذا اللون المسرحي المعترف به عالميا، والتي أصبحت السمة الغالبة للمسرح المصري المعاصر، بل وسر ذيوع المفهوم الجديد للمسرح والذي ينحصر في أنه مجموعة من الضحكات التي لا معنى لها. وفي هذه العبارة الأخيرة (وفي جملة الصلة بالتحديد) يكمن الفارق بين الضحك والهزل؛ فالضحك نشاط إنساني له معنى، والهزل هو اللهو أو اللعب الذي لا معنى له.
وعندما وصفت الكاتبة الإنجليزية «مسز ويب» الشعب المصري بأنه يحب الضحك؛ كانت في الحقيقة تشير إلى خصيصة لم تجدها في شعوب أخرى، وكانت تحس بأنها من خصائص الإنسان الراقية التي تحسب له لا عليه، بدليل أنها قرنت بينه وبين ما يسمى اصطلاحا بالميل إلى التفكه أو بالقدرة على رؤية الجانب الفكه للأشياء
SENSE OF HUMOUR
والتي كانت تعتبرها من خصائص الشعب البريطاني دون غيره. ومن معاني المصطلح الأخير سعة الصدر (أي القدرة على قبول الرأي المخالف دون غضب، والاحتمال والتسامح)، وهي الترجمة الصحيحة لما جرى العرف على ترجمته بسعة الأفق
BROAD-MINDEDNESS ؛ ولذلك فإن صدور هذه الشهادة من كاتبة إنجليزية لم تعش طويلا (1881-1927م) ولم تكتب كثيرا (خمس روايات ومقالات مجموعة) ولم تزر مصر مطلقا فيما أعلم؛ يدعو إلى الدهشة. ولولا صدور كتاب جديد هذا العام يتضمن مقالات جديدة لم تنشر لها وبعض خطاباتها المجهولة؛ ما التفت أحد إليها.
ويبدو أن السيدة «ويب» قد عرفت عددا من المصريين الذين كانوا يترددون في أوائل القرن على إنجلترا طلبا للعلم، وربما كان ذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة؛ خروجا على قاعدة الدراسة في فرنسا آنذاك، ويبدو أن السلطات البريطانية التي كانت تشرف على «نظارة المعارف» في مصر في تلك الحقبة كانت تريد تشجيع المصريين على التزود بالثقافة الإنجليزية دعما للوجود البريطاني في مصر، حتى لا ترجح كفة التعليم الفرنسي إلى الأبد في الشرق العربي.
وأيا كان مصدرها، فالشهادة في ذاتها جديرة بالتأمل خصوصا إذا وضعت بجوار شهادات الكثيرين من أبناء بريطانيا الذين عاشوا في مصر أو اختلطوا مباشرة بالمصريين، ونحن نفهم من هذا وذاك أن ما راع الأجانب في الشخصية المصرية هو قدرتها على السخرية من الواقع وتلوينه بألوان متناقضة بحيث يكتسب العديد من الصور، فإذا كان مريرا خفت مرارته، وإذا كان عابسا انفرج عبوسه، وإذا كان حالكا تبددت بعض ظلماته، وذلك عن طريق قوة الخيال التي تعتبر من الملكات الخلاقة في ذهن الإنسان.
والمصري يفعل ذلك من تلقاء نفسه، دون أن يدفعه أحد إليه؛ فهو يضحك من مصائبه، ويسخر من أحواله، وهو على استعداد في جميع الأحوال للضحك لا لأنه هازل؛ بل لأنه جاد، وجده معناه قدرته على تقدير قيم الأشياء ومعرفة ما يمكن التغلب عليه وما لا يمكن قهره، فإذا استحال عليه أن يقهر عدوه ضحك منه، وإن رأى أن سخريته منه ستزيد من وعي من حوله به سخر منه بلا هوادة.
نامعلوم صفحہ