149

[chapter 18]

الباب الثامن عشر

فى التحذير من خدع المحتالين الذين يتسمون باسم الطب والفرق بين خدعهم والحيل الطبية

ليس غرضى فى هذا الباب، أيها الحبيب، ذم الحيلة على الإطلاق، إذ كان معنى هذا الاسم إنما تلطف الإنسان بلطيف فطنة العقل فى إصابة ما بعد، واعتاص عن عرضه. وبهذا المعنى، أعنى طريق الحيلة، قدر الإنسان أن يستخرج دقيق العلوم والصنائع، لأن الموجودات لم يكشفها البارئ تبارك بأسرها للإنسان، لئلا تسقط عن الناس كلفة النظر والبحوث، ويذهب تفاضلهم بمعرفة العلوم والمهن، فتسقط المراتب والرئاسات بذلك. وهذا هو سلب نوع الإنسان ما به 〈من〉 شرف، وعدم حكمته التى بها فضل على أنواع الحيوان.

فلذلك جعل الله تعالى بعض الأمور ظاهرة جلية، وبعضها خفية، ليتوصل 〈الإنسان〉 بلطيف حيلة العقل، وتدقيق ذهنه، من الأمور الظاهرة، إلى معرفة الأمور الباطنة. كالذى فعله أصحاب الرياضات، فإن المهندسين إنما علموا أن الثلاث زوايا من كل مثلث مساوية لقائمتين، من المصادرات التى قدمها اقليدس فى أول كتابه فى الأصول التى علمها ظاهر عندهم. ومن ذلك ترقوا إلى علم حالات المقادير بأسرها، والسطوح، والأجسام، وبذلك أمكنهم مساحتها، ومن ذلك ترقوا إلى علم مقادير الأقاليم، ومساحة جملة الأرض، ثم الأفلاك، وبذلك علموا مواضع ما تهيأ لهم رصده من الكواكب، وحركاتها، وأبعادها.

وهذا الطريق سلك أصحاب علم الحساب فى استخراج الجذور، وغيرها. كذلك جرى أمر أصحاب علم النجوم، فإنهم قفوا آثار الأمور الطبيعية فى كثير من أمورهم، واستعملوا التشبيه، والمماثلة، والحدس، جميع ذلك قصد العلم الخفى بالظاهر.

صفحہ 157