وقد حكى جالينوس عن قدماء اليونانيين أنهم كانوا يصورون التابعين لذاتهم، وأهل الكسل والتراخى، وهم المتكلون على جدهم فقط، بصورة تدل على العجز، وقلة الفهم، ورداءة الطبع، وكثرة الجهل، والشر، وهى صورة امرأة عمياء، قائمة على كرة، بيدها سكان سفينة، تدبر أهل تلك السفينة، عند شدة قد لحقتهم. فلسوء بختهم، اتكلوا فى تدبيرهم على تدبير عاجز شرير. فإنهم عن قليل سيهلكون، ولا ينفعهم من اتكلوا على تدبيره شيئا، بل يهزأ بهم، ويضحك عليهم. وكذلك حال من اتكل على سعادة بخته من الأطباء، وغيرهم. فإنه عند زوال سعادته يبقى صفرا من الفضائل، وخاصة عند الشيخوخة.
ويصورون الحريص على اقتناء الفضائل، والعلوم، والصنائع الشريفة، بصورة تدل على العفة، والعدل، والخير، وحب الجميل، وهى صورة شاب جميل الصورة جمالا طبيعيا، لا اكتسابيا، حسن الهيئة، جالس على جسم ذى ست سطوح معتدلة متساوية، ووجهه طلق، وحوله تلاميذه، وطالبو العلم، مطيعون له، لا خلاف بين بعضهم وبعض، ولا يحسد بعضهم بعضا على الأمور الخسيسة، كحسد أهل المراتب الدنياوية، وذوى اليسار بعضهم بعضا.
قال: وذلك أن الله تبارك وتعالى ليس يختار الفضيلة فى الغناء واليسار. لكن يؤثر ويقدم من حسنت سيرته، وكان فى صناعته متقدما عاليا، وكان تابعا لوصايا الله تعالى، لازما لها، ويعالج صناعته على المذهب اللازم للسنة والشريعة. فذلك هو الذى يكرمه الله، وبحبوه، ويؤثره، ويقدمه فى المرتبة على سائر من يقف بين يديه، ولا يزال حافظا له دائما.
قال: وهذا الجمع إذا تفكرت فيه، وأخطرت ببالك كيف هو، دعتك نفسك مع ما تدعوك إليه من التقبل له، والامتثال لآثاره، إلى أن تسجد لهم ، فضلا عمن سوى ذلك، نحو سقراطيس، واوميرس، وابقراط، وفلاطون، ومحبى هؤلاء، وأصدقائهم، الذين يكرمهم، كما يكرم المتألهين. وأما سائر من يتبع الله، ويلزم سبيله، فليس منهم أحد يخذله الله، لأنه ليس تشتمل عنايته من فى المدن من الناس المقيمين فقط، لكنه يعنى بمن يسير أيضا فى البحر.
صفحہ 125