وقال الآخر: الأدب يبلغ بصاحبه الشرف، وإن كان دنيا؛ والعز، وإن كان قميا. والقرب، وإن كان قصيا؛ والمهابة، وإن كان رويا؛ والغنى وإن كان فقيرا، والنبل وإن كان حقيرا؛ والكرامة، وإن كان سفيها؛ والمحبة، وإن كان كريها.
وقال آخر: لابنه يا بني: تعلم الأدب، فلأن يذم فيك الدهر، خير من أن يذم بك.
وروي عن ابن شبرمة أنه قال: إذا سرك أن تعظم في عين من كنت عنده صغيرا، ويصغر في عينك من كان عندك عظيما؛ فتعلم العربية فإنها تجريك على المنطق، وتدنيك من السلطان.
وقال بعض الملوك لوزيره: ما خير ما يرزقه العبد؟ فقال: عقل يعيش به. قال: فإن عدمه. قال: فأدب يتحلى به. قال: فإن عدمه. قال: فمال يستره. قال: فإن عدمه. قال: فصاعقة تحرقه وتريح البلاد والعباد منه.
فصل في الاستشارة
قال الله تعالى: "وشاورهم في الأمر".
وقال نبيه ﷺ: "ما ندم من استشار ولا خاب من استخار".
وقال عبد الله بن المعتز: من شاور لم يعدم في الصواب مادحا، وفي الخطأ عاذرا.
وقال بشار بن برد: المشاور بين إحدى حسنتين، صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه.
وقال أعرابي: ما عنيت قط حتى يعني قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا حتى أشاورهم.
وقال عقيل القمي: لا يدرك الصواب بالرأي الفرد، فليستعن مكدود بوادع، ومشغول بفارغ.
وقال المأمون: ثلاث لا يعدم المرء الرشد فيهن: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتجنب للناس.
وقال آخر: شاور من جرب الأمور، فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غاليا، وأنت تأخذه مجانا.
فصل
اثنين
قال رسول الله ﷺ، ذات يوم لأصحابه: "ألا أخبركم بأشقى الأشقياء؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذاك من اجتمع عليه شيئان: فقر الدنيا، وعذاب الآخرة".
وقال علي ﵁: لن يعدم من الأحمق خلتين، كثرة الالتفات وسرعة الجواب بغير عرفان.
وقال الصادق ﵁ لسفيان الثوري: يا سفيان: خصلتان من لزمهما دخل الجنة، قال: وما هما يا ابن رسول الله؟ قال: احتمال ما تكره إذا أحبه الله، وترك ما تحب إذا كرهه الله، فاعمل بهما وأنا شريكك.
وقال آخر: السخاء سخاءان، سخاء بما يملك؛ وسخاء عما في أيدي الناس. والصبر صبران، صبر على ما يكره، وصبر عما يحب. والعجز عجزان، ترك الأمر إذا أمكن، وطلبه إذا فات. والحزم حزمان، حفظ ما وليت، وترك ما وفيت.
وقال لقمان لابنه يا بني شيئان إذا أنت حفظتهما لا تبالي ما صنعت بعدهما؛ ذنبك لمعادك، ودرهمك لمعاشك.
وقال عبد الملك بن مروان: خلتان لا تدعوهما إن قدرتم عليهما، تعلم العربية، ولباس الثياب الفاخرة، فإنها الزينة والمروءة الظاهرة.
وكان يقال: من كمال إيمان المرء خصلتان، لا يدخله الرضا في باطل، ولا يخرجه الغضب عن حق.
وقال آخر: دعوتان؛ أرجو إحداهما كما أخاف الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
وقال آخر: شيئان يجب على العاقل أن يتحفظ منهما: حسد أصدقائه، ومكر أعدائه.
وقال آخر: موطنان لا أعتذر من العي فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو سئلت حاجة.
وقال آخر: شيئان قلما يجتمعان: الشعر الجيد، واللسان البليغ.
وقال آخر: شيئان قد عزا وأعوزا: درهم حلال، وأخ في الله ﷿.
وقال آخر: اثنان معذبان: غني حصلت له الدنيا؛ فهو بها مشغول مهموم، وفقير زويت عنه، فنفسه تتقطع عليه حسرات.
وقال آخر: طالب الدنيا بين خصلتين مذمومتين: إن نال منها ما أمله تركه لغيره، وإن لم ينله مات بغصته.
فصل ثلاثة
قال رسول الله ﷺ: "رفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق".
وقال ﵊: "ثلاث مهلكات وثلاث منجيات؛ فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات: فخشية الله بالسر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضى والغضب".
وقال المدايني: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حكيم من أحمق، ومؤمن من فاجر؛ وشريف من وضيع.
وقال المأمون: الرجال ثلاثة: فرجل كالغذاء لا يستغنى عنه، ورجل كالدواء يحتاج إليه في الأوقات، ورجل كالداء لا يحتاج إليه أبدا.
وقال: ثلاثة لا عار فيهم: الفقر، والمرض، والموت.
1 / 11