وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل١ على تجرده، لأن حال المفتي يقتضي اشتراط كونه على صفة يسهل عليه معها إدراك أحكام الوقائع على القرب من غير تعب كثير، وهذا لا يحصل لأحد من الخلف إلا بحفظ أبواب الفقه ومسائله، ثم لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفي أن يكون حافظًا للمعظم متمكنًا من إدراك الباقي على القرب٢.
الثاني: هل يشترط فيه٣ أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟
حكى أبو إسحاق، وأبو منصور فيه اختلافًا للأصحاب، والأصح اشتراطه لأن من المسائل الواقعة نوعًا لا يعرف جوابه إلا من جمع بين الفقه والحساب٤.
الثالث: إنما يشترط اجتماع العلوم المذكورة٥ في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما، فلا يشترط فيه جميع ذلك٦، ومن الجائز أن ينال
_________
١ اقتبس الإمام النووي رحمه الله تعالى هذه الفقرة بطولها في المجموع: "١/ ٧٦-٧٧".
٢ انظر جمع الجوامع: ٢/ ٤٢٢، وشرح الكوكب المنير: ٣٩٦، المستصفى: ١/ ٤٢، المحصول: ٢/ ٣/ ٣٦، إرشاد الفحول: ٢٥٢، الإحكام في أصول الأحكام: "٤/ ٢٢٠-٢٢"، الغياثي: ٤٠٤.
٣ سقطت من ف.
٤ المجموع: ١/ ٧٧، وانظر: "الرد على من ... " للسيوطي: "١٨١-١٨٢".
٥ في ج "المزبورة".
٦ اختلف العلماء في جواز تجزئة الاجتهاد وعدم جوازه إلى ثلاثة مذاهب: "أ" رأى جمهور علماء أهل السنة والمعتزلة إلى جوازه، وكذا الشيعة الإمامية. انظر في ذلك: المستصفى للغزالي: "٢/ ٣٥٣-٣٥٤"، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي: "٤/ ٢٢٠-٢٢١"، المحصول للرازي: "٢/ ٣/ ٣٧-٣٨"، جمع الجوامع: ٢/ ٣٨٦، والمجموع للنووي: ٧٦٨ فما بعدها، ومسلَّم الثبوت: ٢/ ٣٦٤، وإرشاد الفحول: ٢٢٥، التحرير لابن الهمام وشرحه تيسير التحرير للعلامة محمد أمين: ٤/ ١٩١، والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب المعتزلي البصري "ت٤٣٦هـ": ٢/ ٩٢٩ حيث ذكر آراء المعتزلة، وتهذيب الوصول إلى علم الأصول للحلي: ١٠٠ حيث ذكر آراء الشيعة الإمامية، وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ٢٠/ ٢٠٤. =
1 / 89