وهذا بالطبع إسراف، ولكن العبرة التي أقصد إليها أنهم جميعا، لهذا الإحساس، كتبوا في أسلوب متشابه كله وداعة ورقة ورحمة وبساطة.
ولو أن أحدهم كان قد تغير من الإيمان بالمسيحية إلى الكفر بها لكان قد تغير أسلوبه أيضا.
وأخيرا أقول إن الأسلوب لا يعلم، وإذا وجد كاتب يقلد كاتبا آخر وينجح في هذه المحاولة، فإنما مرجع ذلك أنه آمن بأفكاره وعواطفه وأخذ بعقائده واتجاهاته، أي أن نفسه قد استحالت؛ لأنها استشبعت بنفس ذلك الكاتب وأخذت بأسلوبه.
عشرة كتب في الأدب
قبل أكثر من عشر سنوات ألفت كتابا بعنوان «تربية سلامة موسى» وصفت فيه دراسات شكسبير بأنها «لهو فني».
وكان قصدي من هذا التعريف أني تسليت به، ولكني لم أجد فيه ما يخصب حياتي أو يربيني أو يغيرني، وإن كان فيه الكثير مما يطرب ويلذ ويعجب.
ولكن هناك أدباء عالميين، نحس بعد قراءة مؤلفاتهم أننا قد تغيرنا، بل هم أحيانا يزيدون عندنا إحساس النمو والإخصاب، كأن وجداننا قد زاد، وآفاقنا قد تراحبت، وكأن حياتنا قد صارت أحيا مما كانت.
وهذه كتب عشرة في الأدب ما زلت أذكرها؛ لأن كلا منها كان بمثابة العلم الذي غير طريق حياتي، واعتقادي أن هذه الكتب جديرة بأن تحدث ثورة في قلوب القراء العرب وعقولهم إذا نقلت إلى اللغة العربية، ولست أنسى هنا أن أشيد بأدباء بيروت ودمشق الذين ترجموا أو شرعوا في ترجمة بعضها.
وأول هذه الكتب درامة، أحب أن أسميها مأساة المرأة، ألفها هنري أبسن بعنوان «لعبة البيت»؛ فقد كان أثرها في نفسي قبل نحو خمسين سنة ساحرا، بل لا يزال كذلك، وكثيرون قد قرءوا هذه الدرامة، ولكن الظروف التي رأيتها فيها ممثلة على المسرح، ثم حين قرأتها وتأملت معانيها ومراميها، كانت تختلف من ظروف الوقت الحاضر.
ذلك أننا كنا، حوالي 1910، نحيا حياة الحجاب المظلمة؛ فلم يكن أحدنا يقعد إلى فتاة، فضلا عن أن يصادقها، وكانت عندما تزور سيدة صديقة لها، كانت هذه الصديقة تحتاط وتحذر من أن يرى زوجها أو ابنها هذه الزائرة.
نامعلوم صفحہ