ولم يكن أبو نواس يحس أية مسئولية اجتماعية أو إنسانية، ولذلك استهتر. •••
أظنه برنارد شو الذي قال إن الفنون، مثل الأخلاق، جزء من الصحة الاجتماعية.
وهذا كلام صادق؛ لأن الفنان المسئول يلتزم الأخلاق السامية، بل هو يرسم أخلاقا تسمو على ما يجد في الأمة ويدعو بها إلى الخير والشرف.
فهل يمكن أن نقول إن أشعار أبي نواس تخدم الصحة الاجتماعية؟ لا، إنما هي تخدم المرض الاجتماعي، وتحبب الفسق والفحش إلى الناس.
وهي - لأنها أشعار - توحي الفسق والفحش لما فيها من إيحاء الإيقاع؛ إذ هي أغان يترنم بها قارئها، وينبعث بالإحساسات الفاسدة التي تعبر عنها نحو الإجرام.
وعبقرية أبي نواس لا ينكرها أديب ناشئ فضلا عن أديب ناضج، ولكنها عبقرية الصنعة فقط، أما عبقرية الفن الذي يهدف إلى الحياة، ويرى رؤيا الحياة، ويرسم الأخلاق السامية، ويحس المسئولية الإنسانية ... فلا شيء منها عند أبي نواس، وإني حين أقرؤه أجد في معانيه بريقا هو بريق العفن ينمو على النتن، أو أزهار سامة يجب أن نقي الشباب منها. وأدبه هو أدب العاهة الجنسية، أدب الفحش الذي يشمئز منه الرجل الصالح النظيف على الرغم مما فيه من التماعات وومضات.
ولذلك أقول إن دلالة أبي نواس عندي ليست فنية أو أدبية، وإنما هي اجتماعية سيكلوجية. •••
الدلالة الاجتماعية أن أبا نواس كان يعيش في مجتمع انفصالي قد فصل بين الجنسين ففسدت غريزته الجنسية، وبدلا من أن يلتفت الشاب إلى الجنس الآخر ويتجه إليه، صار يلتفت إلى جنسه ويتجه إليه.
قد يقال إن هذا الفساد يوجد أيضا عند الأمم التي يختلط فيها الجنسان، وهذا صحيح، ولكن هناك فرقا عظيما بين أمة يتخصص فيها أذكى شعرائها لتأليف نحو ألفي صفحة من الأشعار في الفحش والشذوذ ، وبين أمة يؤلف فيها شاعر من شعرائها قصة أو بيتا من الشعر في هذه المعاني ينشر في السر.
والمرض النفسي هو، في النهاية، رجع أو استجابة لوسط اجتماعي معين، قد أوجد حرجا أو ضغطا أو توترا لا يطاق، فصار المرض بمثابة العلاج لهذه الأحوال، وهو علاج سيئ بالطبع.
نامعلوم صفحہ