و«اعترافات» جان جاك روسو من الكتب التي كان يجب أن تترجم إلى لغتنا قبل 100 أو 150 سنة، ولو أن هذا كان قد تم، لكان فهمنا للأدب غير ما نفهم في هذه السنين.
إننا نسمع في أيامنا من أدبائنا الناهضين أن الأدب للحياة، وأنه اختبارات شخصية ينقلها المؤلف من حياته، أو من خياله المنتزع من حياته، ويرسم منها صورة تنير أو تثير، فتزيد بصيرتنا بالدنيا والعيش أو تحفزنا إلى التغيير في القيم الأخلاقية.
وكل هذا أفكار وكلمات كان يفهمها جان جاك روسو، باعث الحركة الرومانسية أو الرومانتية في أوروبا، وهذه الكلمة تعني العامية.
أدب روسو هو أدب الشعب، بلغة الشعب التي هذبها الفن.
لقد تغيرت أوروبا بأفكار هذا الأديب، ونستطيع أن نعزو جميع الثورات التي حدثت في القارة الأوروبية إلى مؤلفاته التي تتلخص في كلمات معدودة، هي: الطبيعة حسنة والإنسان طيب، ولكنهما يفسدان بالحكومة السيئة والمجتمع السيئ.
ما أحوج الأمم العربية إلى هذه الخمائر! •••
الاعترافات هي بدعة ابتدعها جان جاك روسو حين وقف عاريا يقول للناس: هأنذا بكل ما في نفسي من نقائص وفضائل.
وقد ظهرت مئات من الكتب الاعترافية بعد ذلك توثقت بها الصلة بين الأدب والحياة، وأصبح بها الكتاب وسيلة للتجاوب بين الاجتماع والأدب، والإنسانية والفن.
ومن الكتب الخالدة في الاعترافات كتاب مكسيم جوركي الذي وضعه في ثلاثة مجلدات: طفولتي، في العالم، جامعاتي.
وهو لم يدخل قط جامعة، ولكن الدنيا كانت جامعته، بل جامعاته التي تعلم فيها، وهو أكثر صراحة من جان جاك روسو حين يعترف؛ فقد خرج هذا الأديب الروسي من الطين والوحل، وما زال ينظف نفسه ويطهرها حتى وصل إلى قمة الإنسانية.
نامعلوم صفحہ