آداب الدعا
آداب الدعاء المسمى أدب المرتعى في علم الدعا
اصناف
وحكى أنه كان بالموصل رجل يسافر، وكان تاجرا يدور بتجارته البلدان، فسافر مرة بجميع ماله، وما يملكه إلى الكوفة، فرافقه في تلك السفرة رجل خدمه، فأحسن خدمته، وأنس به حتى وثق به، ثم استغفله في بعض المنازل، وأخذ دابته وما عليها من المال والمتاع، ولم يبق له شيء البتة، واجتهد في طلبه، فلم يقع له على خبر، فرجع إلى بلده وجلا جائعا، فدخل إلى المدينة ليلا، وهو على تلك الحال، فطرق بابه، فلما علم به أهله سروا، وقالوا: الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت؛ فإن أهلك قد ولدت اليوم ولدا، وما وجدنا ما نشتري به ما تحتاج إليه النفساء، ولقد كانت هذه الليلة طاوية، فاشتر لنا دقيقا ودهنا؛ نسرج به، فلما سمع ذلك زاد في غمه وكربه، وكره أن يخبرهم بما جرى له فيحزنهم، فخرج إلى حانوت رجل كان بالقرب من داره، فسلم عليه وأخذ منه دهنا وغيره مما يحتاج إليه، فبينا هو يخاطبه؛ إذ التفت فرأى خرجه الذي هرب به خادمه مطروحا في ذلك الحانوت، فسأله عنه، فقال: إن رجلا ورد علي بعد العشاء، واشترى مني عشاءه، واستضافني فأضفته، فجعل خرجه في حانوتي، ودابته في دار جارنا، والرجل بائت في المسجد، فنهض إلى المسجد ومعه الخرج، فوجد الرجل نائما، فرفسه، فاستيقظ مذعورا، فقال له: أين مالي يا خائن؟! قال: هو ذا على عنقك، والله ما فقد منه ذرة، واستخرج الدابة من موضعه، ووسع على أهله، وأخبرهم حينئذ خبره.
قال ابن رجب في ((نور الاقتباس)): ذكر بعض العلماء في مصنف له -وأظنه من المغاربة-، أنه سمع من أبي ذر الهروي الحافظ يحكي أنه كان ببغداد يقرأ على أبي حفص بن شاهين في دكان عطار، وأنه جاء رجل إلى العطار، فدفع إليه عشرة دراهم، وأخذ منه حوائج، وجعلها في طبق، وجعله على رأس، فزلق، ووقع طبقه، وتفرقت حوائجه، فبكى واشتد بكاؤه، وقال: لقد ضاع مني في قافلة كذا وكذا هميان فيه أربع مئة دينار، أو قال: أربعة آلاف دينار، ومعها فصوص قيمتها أكثر من ذلك، فما جزعت لضياعها، ولكن ولد لي الليلة ولد، فاحتجنا في البيت إلى ما تحتاج إليه النفساء، ولم يكن عندي غير هذه العشرة الدراهم، فلما قدر الله بما قدر، جزعت وقلت: لا أنا عندي ما أرجع به اليوم إلى أهلي، ولا ما أكتسب غدا، ولم يبق لي حيلة إلا الفرار عنهم، وأتركهم على هذه الحالة، فيهلكون بعدي، فلم أملك نفسي أن جزعت هذا الجزع.
صفحہ 159