ذكر أبو طالب المكي في (قوت القلوب) كلاما في اليقظة إذا كانت مجردة عن ذكر الله تعالى وسائر العبادات هل هي أفضل من النوم أم النوم أفضل منها فقيل هي أفضل لأن النوم نقص وقيل النوم أولى لأنه قد يرى فيه البارىء جل وعلا والأنبياء والصالحين وليس الكلام في نوم يتقوى به على طاعة الله تعالى أو يترك به معصية.
حَقيقَةَ النَومِ قَد مازوا بِأربَعَةٍ ... في روضَةٍ عَدَها خُذها بِلا جَدَلِ
فَقَد الشُعورَ وَرُؤيا النَومِ ثالِثُها ... فَقَدُ السَماعِ وَالإِستِرخاء فاحتَفِلِ
اختلفوا في النوم فقيل ريح تأتي الإنسان إذا شمها ذهبت حواسه كما تذهب الخمر بعقل شاربها وقيل النوم إنعكاسُ الحواس الظاهرة إلى الباطنة حتى يصح أن يرى الرؤيا وللنوم أربع علامات عدها في الروضة الأولى فقد الشعور حتى لو مسه إنسان أو وقع على جسده ماء لم يحس به ولم يشعر الثانية أن يرى في منامه رؤيا الثالثة استرخاء الأعضاء فلو كان قابضا بكفه على دراهم ثم نعس فاستيقظ فوجها قد سقطت من يده من غير شعور بها دل على نومه الرابعة أن يخفى عليه كلام الحاضرين فلا يدري ما قالوا.
وَكَثرَةُ النَومِ نَقصٌ في الحَياةِ فَنُم ... ثُلُثَ الحَياةِ وَقُم بِالثُلُثِ وَاشتَغِلِ
وَإِن نَعَستَ فَدَع ثِقَلَ الصَلاةِ وَنَم ... وَاعمَل بِطَوقَكِ في الأَحوالِ اِبتَهِل
قال الغزالي ينبغي لكل أحد أن لا ينام في اليوم والليلة أكثر من ثمان ساعات لأنه إذا عاش ستين سنة يكون قد نام فيها عشرين سنة وينبغي أن يصرف ثلث ليله في الطاعات والثلث الأوسط في الصلاة وهذا التقدير كله مأخوذ من إخباره ﷺ عن داود ﵇ أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وذلك ثلث العمر قوله وإن نعست فدع إذا عرض للإنسان نعاس وهو يصلي أو يتلو كتاب الله فينبغي له قطع ما هو فيه والاشتغال بالنوم وقد جاء ذلك معللا بقوله ﷺ: (فإن أحدكم لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه) .
1 / 68