دوام وجوب حق الآدمي كالقتل الموجب للقصاص فيصح الندم عليه من غير تسليم القاتل نفسه ليستقاد منه فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى ومنعه القصاص لمستحق معصية مجرد ولا تقدح في التوبة فلم تستدع في نفسها خروجا عنها وتوبة منها.
وأما ما يصح دونه فكالإغتصاب لا يصح عليه مع بقاء اليد عليه وكذلك ظلامات العباد ولا تصح التوبة منها إلا بعد ردها أو ضمان قيمة ما أتلفه منها إن أمكنه ذلك، فإن تعذر عليه لومه العزم على أدائه إن أمكنه ذلك وصحت توبته وذهب بعض العلماء إلى أن توبته تصح فيما بينه وبين الله تعالى وذلك بان يرد المغصوب إلى صاحبه كما لا يتضمن ترك الرد لمال زيد فإذا التوبة تر ما لعمرو وأما ما يتعلق بحق الله فترك الطاعات وشرب المسكرات وأما ما يتعلق بهما جميعا فكقذف المحصنات فهل تصح التوبة منه أما من لم يسلم نفسه للحد فيه خلاف فمن رأى أنه حق لله صحح التوبة ومن رأى أنه حق لآدمي فمن قاسه على القتل صح التوبة ومن قاسه على الغصب لم تصح التوبة منه.
كلامه رحمه الله تعالى وذكر أيضا في حد التوبة إنها ندم لأجل ما وجب له الندم قال وإنما قلنا ذلك لأن من ندم على مقارفة سيئة لاضرارها به في المال وسقوط المنزلة عند الناس فهو نادم غير تائب فلا بد من الندم على ما فاته من حقوق الله تعالى فبه تصح التوبة الشرعية.
وقال والتوبة في اللغة الرجوع من حال إلى حال يقال تاب وناب وأناب إذا رجع والتوبة من الله تعالى على العبد بأن يخلق التوبة في قلبه متفضلا عليه وأما بأن لا يخلق له القدرة على المعاصي بل يخلق له الكراهية لها والدواعي إلى الطاعة كما قال تعالى: (وَلَكِن اللَهَ حَبَبَ إِليكُمُ الإيمانَ وَزَينُهُ في قُلوبِكُم ... الآية) وإذا رجع العبد عن فعل المعصية بما خلق الله فيه من كراهتها واكتسب بالطاعة بخلق الله إياها وتزيينها في قلبه وأقداره عليها فقد تاب فهذه توبة العبد وقد قيل مثل ذلك قوله تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا ...) أي كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان لأجل أن يتوبوبا أن الله هو التواب الرحيم قال السبكي وللتوبة وقتان أحدهما ما لم يفر غرقا قال الله تعالى: (وَلَيستِ التَوبَةُ لِلَذينَ يَعمَلونَ السَيئاتِ ... الآية) الثاني ما لم تطلع الشمس من مغربها قال الله تعالى: (هَل يَنظُرونَ إِلا أن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ رَبُك ... الآية) .
1 / 63