الأصلي؛ فإن من نسي شيئًا، ترك العمل به لا محالة، وهذا من الأساليب التي اتسع بها مجال البيان، وجعلت البلغاء يخرجون المعنى الواحد في عبارات متنوعة، والداعي إلى حمل النسيان على معنى الترك: أن الناسي حقيقة غير مؤاخذ على ما نسيه، فلا يستحق هذا التوييخ الشديد الوارد في الآية.
ومن الواضح أن التوبيخ في الواقع متوجه إلى نسيانهم أنفسهم؛ أي: تركهم العمل بما يأمرون به، لا إلى أمر الناس بالبر؛ فإن الأمر بالخير في نفسه فعل محمود، ولو صدر ممن لا يفعل الخير؛ إذ ليس من شرط وجوب الأمر بالمعروف أن يكون الآمر عاملًا به، وإنما عمله بما يأمر يجعل وعظه قريبًا من القلوب، جديرًا بأن يتلقى بالقبول.
﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾:
التلاوة: القراءة. والكتاب: التوراة. وكون المخاطبين يقرؤون التوراة، يزيد تركهم العمل بما يأمرون به قبحًا، ويستدعي أن يكون توبيخهم على هذا الترك أغلظَ من توبيخ من ترك العمل الصالح وهو لم يقرأ كتابًا سماويًا، ذلك أن قراءته الكتاب لا تبقي له وجه الاعتذار بالجهل الذي قد يتشبث به بعض الفاسقين عن أمر الله عندما ينكر الناس فسوقهم.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾:
يطلق العقل على قوة في النفس تستعد بها لقبول العلم، ويطلق على إدراك الأشياء بتلك القوة. فمعنى ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: أليس لكم إدراك يزجركم عن ارتكاب ما لا يليق من الأفعال؟! ومن ألطف أساليب الخطاب: أن يكون للموجَّه إليه النصيحة صفةٌ شأنها أن تنساق به إلى خير، ولكنه يفعل