الذهن أن آدم ارتكب ما نُهي عنه ارتكابَ من يتعمد المخالفة، فيكون أكله من الشجرة معصية، وهو من الأنبياء المرسلين، والرسل معصومون من أن يخالفوا أمر الله.
وجواب هذا: أن آدم تعمد الأكل من الشجرة ناسيًا النهي عن الأكل منها، وفعلُ المنهيِّ عنه على وجه النسيان لا يُعد في قبيل المعاصي التي يرتكبها الشخص وهو على ذكر من أنه يرتكب حرامًا، وهذه هي التي يستحق صاحبها عقابًا أخرويًا، وهي التي عصم الله منها أنبياءه. وإذا عاتب الله بعض المصطفين من عباده على ما صدر منهم على وجه النسيان، فلأن علمهم بالنهي يدعوهم إلى أن يقع النهي من نفوسهم موقع الاهتمام؛ بحيث يستفظعون مخالفته استفظاعًا يملأ نفوسهم بالنفور منها، ويجعلهم على حذر من الوقوع في بلائها. فالذي وقع من آدم ﵇ هو أنه غفل عن الأخذ بالحزم في استحضار النهي، وجعلِه نصبَ عينيه حتى أدركه النسيان، ففعل ما نهي عنه غير متعمد للمخالفة. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥].
﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾:
الفاء في قوله: ﴿فَإِمَّا﴾ لإفادة ترتيب انقسام المخاطبين إلى مهتدين وكافرين على الهبوط المفهوم من قوله: ﴿اهْبِطُوا﴾. و(إما) هي (إن) الشرطية دخلت عليها (ما) لإفادة التوكيد. والهدى من الله: الدلالة على ما هو حق وخير، بلسان رسول، أو آيات كتاب. ومن يتوسع في تفسير الهدى من الله، فيحمله على معنى الدلالة الشرعية أو العقلية، يبني تفسيره على أن الإيمان بالله لا يشترط في التكليف به مجيء رسول، أو إنزال