اعلام فکر اسلامی
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
اصناف
بها دارا صغيرة، أقام فيها بمفرده مع خادم مسن كان يقضي به حاجاته من السوق ويقوم بتنظيف المكان.
وكان الشيخ مريضا بمرض يعرف عند الأطباء بتصلب الشرايين، وهو لا يعلم بأمره ولا يهتم بنفسه، حتى اشتد عليه أخيرا وهو يظنه ضيفا مرتحلا، ثم تركه الخادم وعاد لبلده، فبقي وحيدا بالدار حتى أدركه أجله المحتوم فجأة والأبواب مغلقة عليه، وبقي أياما لا يعلم به أحد، حتى ظهرت رائحته للجيران، فأخبروا رجال الشرطة، فحضروا وكسروا الأقفال فألفوه مائلا في سريره وجزء من كتاب الأغاني ملقى بجانبه، وكان ذلك يوم الأحد 28 من المحرم سنة 1229ه، وقرر الطبيب أنه مضى على وفاته ثلاثة عشر يوما، فنقلوه ودفنوه، تغمده الله برحمته.
ولم يكن اشتغاله بالعلوم على السواء، بل كان جل اعتنائه بمتن اللغة والشعر والنثر، فحفظ من اللغة مقدارا وافيا من الغريب وغيره، وكلف بتصحيح شرح القاموس عند ضبطه برمته في المرة الثانية، وكان اشتغاله بالشعر في الأزهر قليلا كما قدمنا، ولم يبرع فيه إلا عند دخوله دار العلوم طالبا، وقد أرخ أول إجادته فيه بقوله:
أقول الشعر عن فكر سليم 1298.
ونظم بعد ذلك القصائد المتينة، والمقطعات السمينة، وكان ينهج فيها منهج العرب لكثرة نظره في دواوينها، واقتناء الكثير منها استنساخا أو نسخا بيده، ولو تم له الخيال الشعري كما تمت له الديباجة وجزالة الألفاظ لكان أشعر أهل زمانه بلا منازع.
ولما عاد الأمير محمود سامي «باشا» أشعر شعراء العصر من منفاه بسيلان، وكان بعيد العهد بشعراء مصر، واطلع على إنتاج الشعراء المصريين في ذلك العهد، لم يعجبه إلا شعر المترجم في رصانة البناء وسلامة التركيب، وقد ترك من التآليف: «رفع اللثام عن أسماء الضرغام» جمع فيه ما ينيف على خمسمائة اسم للأسد، طبع بمصر، و«مفتاح الأفكار في النثر المختار» جمع فيه مختار النثر من رسائل وخطب في الجاهلية إلى هذا العصر،
4
وهو كتاب جليل الفائدة، طبع بمصر أيضا، و«مفتاح الأفكار في الشعر المختار»، جمع به مختار الشعر من الجاهلية إلى عصرنا هذا،
5
لم يطبع ولم نطلع عليه، وله «ديوان حماسة» من شعر العرب استدرك به على أبي تمام ما فاته، و«مفتاح الإنشاء» لم يكمله، وأخذ في أواخر أيامه في جمع شعره ونثره وترتبيه في ديوان، ولا أدري ما فعل الدهر به.
نامعلوم صفحہ