قال: أما من قد اعتاد أن يسمع من الكلام فى طبيعة الانسان شيئا خارجا مما يليق من الكلام فيها بالطب فليس يوافقه استماع هذا الكلام وذلك أنى لا أقول ان الانسان فى جملته من هواء ولا من نار ولا من ماء ولا من أرض ولا من شىء غير ذلك أصلا مما ليس يظهر مفردا فى الانسان الا أنى تارك من رأى أن يقول مثل هذا القول وانى أرى أن الذين يقولون هذا القول لم يصيبوا فيما رأوه وذلك أن جميعهم يستعملون معنى واحدا بعينه لكنهم ليس يدعون دعوى واحدة بل انما يجعلون حججهم فى معناهم حجة واحدة وذلك أنهم يزعمون أن الموجود شىء واحد وذلك هو الواحد وهو الكل الا أنه يخالف بعضهم بعضا فى الأسماء فبعضهم يقول ان ذلك الشىء الذى هو الواحد والكل هو الهواء وبعضهم يزعم أنه النار وبعضهم يزعم أنه الماء وبعضهم يزعم أنه الأرض ويأتى كل واحد منهم على قوله بشواهد ودلائل ليست بشىء وذلك أنهم يستعملون معنى واحدا بعينه من غير أن يدعوا دعوى واحدة فيدل ذلك منهم على أنهم لا يعلمون ما يأتون وقد تقدر خاصة أن تعلم ذلك اذا حضرتهم يناقض بعضهم بعضا فانك تجد قوما بأعيانهم يناقض بعضهم بعضا بين يدى قوم بأعيانهم ولا تجد واحدا منهم فى وقت من الأوقات يغلب بحجته ثلاث مرار ولكن تجدهم مرة يغلب هذا ومرة هذا وربما غلب الذى يتهيأ له منهم أن يبسط لسانه عند العوام بأكثر مما يبسط غيره لسانه على أنه يجب على من زعم أن قوله صواب أن يكون كلامه هو الغالب فى جميع الأوقات ان كان علمه بذلك الشىء الذى يدعيه علما صحيحا موجودا وحكمه يجرى على الصواب والأمر عندى فى هؤلاء القوم أنهم ينقضون قول أنفسهم بألفاظهم بسبب جهلهم ويصوبون قول مالسس
[chapter 2]
صفحہ 2