وهنا سمعا صوت البارون يصيح وينادي: ميشيل! فأسرع ميشيل إليه، فسأله البارون قائلا: ماذا قال لك الطبيب في هذا الصباح؟ - ولكن ... يا سيدي ... - قل ماذا قال ولا تخف عني شيئا، فإني أريد أن أعرف كل شيء بالتمام. فسكت ميشيل، وقال البارون: لقد قال إني على وشك الموت، أليس كذلك؟
فأطرق ميشيل برأسه ولم يجب، فقال البارون: إني مستسلم إلى الأقدار، ولكني أريد أن أكتب وصيتي ... أريد أن أرجع إلى ابن أخي وأمه المال الذي سرقته منهما. فارتعش ميشيل، ودخل عند ذلك بول فطمأنه بنظرة مفادها: اطمئن، فلا يزال في الوقت متسعا لإخفاء هذه الوصية.
ولكن ساء فأله، فإن قطعة الثلج الهائلة قد انفصلت في تلك اللحظة عن قمة الجبل، وسقطت على المنزل فدمرته. •••
وعندما أشرق الصباح، وأخذ الناس يرفعون أنقاض المنزل، وفي طليعتهم فيلكس وشارنسون والأمير الروسي، وجدوا بين أنقاض ذلك المنزل الخشبي جثتين ورجلا لا يزال على قيد الحياة، فإن جسرا من الخشب سقط عليه فكسر ذراعه وساقه، فكان من عجائب الاتفاق أن الرجلين السليمين وهما ميشيل وبول قتلا، والرجل المحتضر وهو البارون سلم من الموت، وكان أول من أخرجه من بين الأنقاض فيلكس، فلما رآه البارون عرفه من فوره، وقال له: سأرد إليك مالك، فلا يزال أمامي بضع ساعات أعيشها لعمل ما يجب عمله، والحمد لله! •••
في ليلة من ليالي الشتاء - وقد مضى على الحادثة المتقدمة عامان - وقفت مركبة فخمة عند باب قصر جميل في شارع فتراندري، وخرج منها رجل وامرأة بملابس الحفلات الراقصة، وهما الكونت والكونتيس دي نيفيل؛ ذلك أن الكونت فيلكس دي نيفيل الذي كان يلقب من قبل «بأبي النحوس» كان قد تمكن بواسطة عمه البارون الذي كان موشكا على الموت، وصديقه الأمير الروسي، وأمه، وكاهن قرية سانت مرتين من إثبات حقيقة مولده بحكم أصدرته المحكمة، وكان البارون قد رد إليه أموال أبيه، وأوصى له بكل ماله الخاص، ومات بعد أن غفر له فيلكس كل إساءته الماضية.
وكان فيلكس قد قضى هذين العامين دائبا في التصوير، وصنع تمثاله القديم أبدع صنع، فأنعمت عليه الحكومة بوسام، قلده إياه وزير المعارف بيده في حفلة حافلة.
وكانت أمه لا تزال في قيد الحياة، وقد عاد إليها شبابها بعد أن عاد إليها ولدها، ففي تلك الليلة عاد فيلكس مع امرأته باكيتا من أحد المراقص بعد انتصاف الليل، وكانت باكيتا قد اعتزلت المراسح، ولم يعودوا يدعونها إلا بالكونتيس، فلما عادا إلى المنزل وجدا الكونتيس - والدة فيلكس - لا تزال ساهرة وهي تداعب ولدهما، فقد كاد يبلغ عاما من العمر، وهو يشبه والده أتم الشبه كما يشبه فيلكس أباه.
وقد لقي فيلكس من هناء العيش ما لقيته أمه وامرأته وجميع أصدقائه، فإنه بعد استيلائه على ثروة أبيه أنعم على كوكليش صاحب المرسح القديم بمبلغ جزيل، فعاش من ريعه إلى آخر العمر. وعين رأسمال كبيرا لشارنسون، فاشتغل بالتجارة، وفاز فوزا باهرا حتى كاد يصبح من كبار الأغنياء، وأعان باستيليون فاشترى مكتب رئيسه المحامي.
أما الأمير الروسي فإنه تزوج أميرة من أميرات موسكو، وكان في كل عام يزور فيلكس، فيقيم معه ردحا من الزمن.
وقد زالت هواجس فيلكس، ولم يكن يلذ له غير التصوير الذي يقضي فيه عدة ساعات كل يوم.
نامعلوم صفحہ