ثم رأى أن الزحام قد اشتد، وحال الناس بينه وبين تمثاله، فجعل يخترق صفوفهم حتى تمكن بعد الجهد من الوصول إليه، وهناك صاح صيحة هائلة؛ ذلك أنه رأى رجلا انهال على تمثاله بمطرقة من حديد فحطمه تحطيما، والناس سكوت من حوله، كأن على رءوسهم الطير ... أما هذا الرجل فقد كان صاحب الكلب الأسود الذي كان يعاوده منذ كان في المهد صبيا.
وعند ذلك أرعدت السماء ، فصحا من رقاده لهزيم الرعد، وأومض البرق، فرأى على وميضه تمثاله الذي رآه في الحلم محطما، وأقام بقية ليلته ساهرا لا يستطيع الرقاد، بل لا يريده حذرا من أن يعاوده هذا الحلم الرهيب، فيرى تحطم تمثاله الذي كان يشتغل فيه منذ عام.
وعند الصباح دخل عليه شارنسون فقال له: ماذا أصابك في هذه الليلة؟ فقد كانت أمك تسمع صوتك كل الليل.
قال: لقد رأيت الكلب الأسود في حلمي.
ثم قص عليه حلمه. فقال له شارنسون: لقد أصبحت الآن على رأي باكيتا، ولم أعد أخاف صاحب الكلب الأسود، فإنك تماديت في الخوف منه حتى بت تراه في أحلامك.
وفيما هما يتحدثان؛ سمعا صوت مركبة وقفت عند الباب، فأطل شارنسون من النافذة، ورأى رجلين تدل مركبتهما وملابسهما على أنهما من كبار الأغنياء.
وقد خرجا من المركبة وطرقا الباب، ففتح لهما الخادم أنطون، وسألاه إذا كان المسيو فيلكس في المنزل، فهرع فيلكس إلى استقبالهما، وبادره واحد منهما بقوله: إن اسمي يا سيدي يحن إلى سماعه أصحاب الفنون الجميلة، فإني أدعى البرنس ماروبولوف، وقد أتيت أستأذنك بمشاهدة تماثيلك.
فانحنى فيلكس بملء الاحترام، ومشى أمام الرجلين إلى المعمل.
ودخل فيلكس المعمل، وتبعه البرنس ورفيقه وفي أثرهم شارنسون، فوقف البرنس على عتبة باب المعمل وقفة المندهش المأخوذ؛ إذ رأى ذلك التمثال الذي عزم فيلكس على عرضه في المعرض، ثم التفت إلى صديقه المركيز، وقال له بصوت سمعه فيلكس: إنهم لم يخدعوني، وإن الرجل يستحق أن يكون من أهل الشهرة.
فخفق قلب فيلكس سرورا. ودنا البرنس منه فقال له: لا شك أنك كثير الانشغال، وأخاف أن نكون قد أزعجناك بهذه الزيارة؟
نامعلوم صفحہ