ابو الشہداء حسین بن علی
أبو الشهداء الحسين بن علي
اصناف
وإن التحرج من قتله كان خطأ فادحا من وجهة السياسة أو من وجهة الأخلاق، فالذي لا يشك فيه أنه إن كان صوابا فهو صواب سهل يستطيعه كثيرون، وإن كان خطأ فهو الخطأ الصعب الذي لا يستطيعه إلا القليلون. •••
كذلك يقول من يقول: إن الأريحية التي سمت إليها طبائع أنصار الحسين، إنما هي أريحية الإيمان الذي يعتقد صاحبه أنه يموت في نصرة الحسين، فيذهب لساعته إلى جنات النعيم. فهؤلاء الذين يقولون هذا القول يجعلون المنفعة وحدها باعث الإنسان إلى جميع أعماله، حتى ما صدر منها عن عقيدة وإيمان، وينسون أن المنفعة وحدها لن تفسر لنا حتى الغرائز الحيوانية التي يصاب من جرائها الفرد طوعا أو كرها في خدمة نوعه، بل ينسون أن أنصار يزيد لا يكرهون جنات النعيم ولا يكفرون بها، فلماذا لم يطلبوها كما طلبها أنصار الحسين؟ إنهم لم يطلبوها لأنهم منقادون لغواية أخرى، ولأنهم لا يملكون عزيمة الإيمان ونخوة العقيدة، ولا تلك القوة الخلقية التي يتغلبون بها على رهبة الموت؛ ويقدعون بها وساوس التعلق بالعيش والخنوع للمتعة القريبة، فلولا اختلاف الطبائع لظهر شغف الناس جميعا بجنات النعيم على نحو واحد، ومضى الناس على سنة واحدة في الأريحية والفداء، ومرجع الأمر إذن في آخر المطاف إلى فرق واضح بين طبائع الأريحيين وطبائع النفعيين.
وكذلك يقول من يقول: إن الأريحية في نفوس أنصار الحسين كانت أريحية أفراد معدودين ثبتوا معه، ولم يخذلوه إلى يومه الأخير. وينسى هؤلاء أن الارتفاع ليقاس بالقمة الواحدة كما يقاس بالقمم الكثيرة، وأن الغور ليسبر في مكان واحد كما يسبر في كل مكان، وإنما تكون الندرة هنا أدل على جلالة المرتقى الذي تطيقه النفس الواحدة أو الأنفس المعدودات، ولا تطيقه نفوس الأكثرين.
فمدار الخلاف إذن في هذه الجولة التاريخية إنما هو الفارق الخالد بين مزاجين بارزين كائنا ما كان تفسير المفسرين للعقائد الروحية والمطامع السياسية، ولم يتلاق هذان المزاجان على تناحر وتناجز كما تلاقيا عامة في النزاع بين الطالبيين والأمويين، وخاصة في النزاع بين الحسين ويزيد.
فحياة الحسين - رضي الله عنه - صفحة لا صفحة تماثلها في توضيح الفارق بين خصائص هذين المزاجين، وبيان ما لكل منهما من عدة للنجاح في كفاح الحياة، سواء نظرنا إلى الأمد البعيد أو قصرنا النظر على الأمد القريب.
الفصل الثاني
الخصومة
أسباب التنافس والخصومة
قبل أن يقف الحسين ويزيد متناجزين، كانت الحوادث قد جمعت لهما أسباب التنافس والخصومة منذ أجيال، وكان هذا التنافس بينهما يرجع إلى كل سبب يوجب النفرة بين رجلين: من العصبية، إلى الترات الموروثة، إلى السياسة، إلى العاطفة الشخصية، إلى اختلاف الخليقة والنشأة والتفكير.
تنافس هاشم وأمية على الزعامة قبل أن يولد معاوية؛ فخرج أمية ناقما إلى الشام وبقي هاشم منفردا بزعامة بني عبد مناف في مكة، فكان هذا أول انقسام وتقسيم بين الأمويين والهاشميين: هؤلاء يعتصمون بالشام، وهؤلاء يعتصمون بالحجاز.
نامعلوم صفحہ