فتأثرت ريحانة من تعلقها بأبي مسلم إلى هذا الحد وقالت: «دعي ذلك إلى تدبير العزيز الحكيم. وإن غدا لناظره قريب. ولكن غياب الضحاك قد شغل خاطري، وهو إنما جاء معنا ليكون في خدمتك. قومي الآن لنتناول الطعام ثم ننظر ماذا يكون.»
الفصل الحادي والثلاثون
الضحاك
فنهضتا إلى حجرة الطعام في ذلك الخباء - وكانت الجواري قد أعددن الطعام - فجلستا لتناوله وإذا بأحد الخدم قد دخل مهرولا وهو يقول: «إن الضحاك بالباب.»
فانبسطت نفس جلنار وزهدت الطعام لرغبتها في مقابلة الضحاك، ولم تكن ريحانة أقل رغبة منها في ذلك؛ لكي تطلعه على ما وفقتا إليه تلك الليلة، فقالت للخادم: «أدخله إلى الحجرة الوسطى، واحمل إليه الطعام وقل له: إن الدهقانة قادمة إليه عاجلا.»
وأسرعتا في الأكل ثم نهضتا إلى تلك الحجرة، فوجدتا الضحاك قد فرغ من طعامه وجلس في انتظارهما، فوقف لهما، فلما شاهدته جلنار انشرح صدرها وأحست بحمل ثقيل ينزاح عن كاهلها، ثم صاحت فيه: «أين كنت يا رجل؟»
فتأدب في موقفه ويداه في منطقته، وعمامته مائلة على رأسه، وقد نبش شعر لحيته وشاربه حتى تغيرت سحنته، فلم تتمالك جلنار عن الضحك، فأجابها بضحكة طويلة، فأشارت إليه أن يجلس، وجلست وأجلست ريحانة بجانبها، فجثا الضحاك على ركبتيه وقال: «لقد أذنبت بخروجي بلا استئذان، ولكن العفو أقرب للتقوى.»
فقالت ريحانة: «كيف تتركنا وحدنا وقد أوصاك الدهقان برعاية مولاتنا وألا تفارقها؟!»
قال: «نعم. أخطأت بمخالفتي وصية مولاي الدهقان، ولكنني أصبت بمجاراة مولاتي الدهقانة.» قال ذلك وأطرق في حياء.
فقالت: «دعنا من مجونك، وقل أين كنت؟»
نامعلوم صفحہ