والقارئ العربي المتوسط الذي هو أقرب إلى الأمية لا يريد إلا سماع تفاصيل بطولة أبي جلدة، وما تقوم به عصابته من أعمال وما ترتكبه من آثام.
وأبو جلدة شبيه بلصوص كورسيكا، في استعصاء القبض عليهم وتجنبهم إراقة الدماء وإزعاج الآمنين.
فهو موجود في كل مكان، وليس له مكان. فبينما تقول عنه البلاغات الرسمية إنه ظهر في الشمال، وارتكب كذا وكذا من الأعمال، وصال وجال في قنن جبال الجليل وسطوحها، إذا به يظهر بغتة قرب البحر الميت ويوقع ببعض السياح البريطانيين ويسلب مالهم ومتاعهم، ثم يشاهده المسافرون على مقربة من غزة، حيث يوقف سيارة موظفين إنكليز ويأخذ كل ما يملكونه، وبعد ذلك بقليل يسمع أهالي بئر سبع أنه وصل إليهم واجتاز الصحراء التي تفصل فلسطين عن قنال السويس.
وكان أبو جلدة ورجاله حكومة داخل الحكومة يصدر البلاغات الرسمية، وتنشرها الصحف، وفيها بيانات عن مشاغباته للحكومة، ومداعباته لرجالها، وتكذيبات لما عزي إليه من أعمال غير مشرفة.
وقد نشرت له جريدة «الجامعة الإسلامية» يوما نداء حارا بالدعوة إلى مقاومة حكومة الانتداب.
وكان يساهم من حين إلى آخر في قوائم الاكتتابات التي تفتح لمقاصد وطنية.
وشعار أبو جلدة هو: «رمي الإنكليز في البحر»، فكانت الحرب بينه وبينهم سجالا.
جاءوه يوما بعشرة من كلاب «سكوتلاند يارد»، ثمن الكلب الواحد ألف جنيه، وأجرته في الشهر خمسون جنيها، وذهبت «تشمشم» عليه وتهاجمه فقتل أكثرها، وغرمت حكومة فلسطين ثمنها لدائرة الأمن العام في لندن.
وأراد الإنكليز أن يدسوا له السم في الدسم، واتفقوا على ذلك مع إحدى نسائه، وأدرك الدسيسة فأرغمها على أن تأكل من الطعام، وقبل أن يفعل فيها السم فعله قتلها بمسدسه.
ومنذ أشهر هاجم أبو جلدة وزميله العرميط قوة من جنود الحكومة، ثم تركها ولجأ إلى أول تليفون وطلب إدارة الأمن العام في حيفا، وسأل مديرها أن ينجد رجاله لأنهم وقعوا في مأزق ...
نامعلوم صفحہ