ابو حنیفہ اور انسانی اقدار ان کے مذہب میں
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
اصناف
إذا كان للبيئة بمختلف نواحيها أثر كبير في الإنسان الذي يتناوله المؤرخ بالبحث، فإن هذا لا يصدق على رجل السياسة أو الأدب ونحوهما فحسب، بل يصدق أيضا على الفقيه؛ فإن الفقيه، وهو يعنى بالفقه والتشريع معا، يجب أن يكون عارفا بالبيئة التي يعيش فيها معرفة طيبة، متصلا بها اتصالا قويا، ما دام من أهم ما يعنيه أن يعمل على إيجاد حلول لمشاكلها وحوادثها بالتشريع.
ولذلك يكون من الواجب على من يؤرخ فقيها من الفقهاء، ويتصدى لبيان مذهبه الذي ذهب إليه في الفقه، أن يتناول هذه البيئة بالبحث بالقدر الذي لا ينبغي الاستغناء عنه في بحثه.
عاش أبو حنيفة - كما عرفنا - في عهد الأمويين وفي عهد العباسيين، وكانت الدولة الإسلامية في أيام هاتين الأسرتين تحكم الشرق كله من ضفاف المحيط الأطلنطي غربا إلى الصين شرقا والهند جنوبا، كما وصل سلطانها - أيام الأمويين بالأندلس - إلى جزء غير قليل من بلاد أوروبا.
وتبع هذا أن كانت رقعة البلاد الإسلامية المترامية الأطراف تضم خليطا من الشعوب المختلفة الأصول والتقاليد والعادات: فهناك العرب الفاتحون الأصلاء، وهناك الموالي من أبناء البلاد المفتوحة الذين أظلهم الإسلام، وعاشوا تحت لوائه وكنفه.
وهؤلاء الموالي كانوا فيما بينهم أخلاطا من عناصر شتى؛ ففيهم الفارسي، وفيهم الرومي، وفيهم التركي، وفيهم الهندي، وفيهم المصري ... وهكذا إلى سائر الأجناس التي دخلت في الإسلام، وصارت تحت حكمه.
ومن ثم نستطيع أن نقرر أن المجتمع الإسلامي في ذلك العهد لم يكن متجانسا، وإن جمع الإسلام بين أفراده وطبقاته وألف بينهم؛ فإنه ليس من الميسور، ولا مما يتفق وطبائع الأشياء أن ينسلخ الإنسان تماما من خصائص أصله ومواريثه العقلية والاجتماعية؛ لأنه دخل في دين جديد، وأصبح تابعا لحكومة جديدة تقوم على أسس من هذا الدين ومثله التي يدعو إليها.
وهؤلاء الموالي كانوا باعتبار مركزهم الشرعي، وهو أنهم أرقاء، مادة للفقه والفقهاء، ومن نراهم يتناولون بحث أحوالهم وأحكامهم المختلفة في أبواب معروفة من كتب الفقه الإسلامي.
فهناك باب العتق وأحكامه، والمكاتبة وأحكامها، والتدبير وأحكامه، ثم هناك بحوث تتعلق بالشهادة، وهل تجوز من العبد أو لا تجوز؟ باعتبارها من باب الولاية، والعبد لا يلي أمور نفسه، فبالأولى لا تكون له ولاية على غيره؛ إلى جانب بحوث أخرى تتعلق بالزواج والطلاق والعدة، وبالجنايات تكون من العبد أو عليه، وبالبيوع إذا كان موضوع العقد عبدا خالصا لصاحبه أو مشتركا بينه وبين غيره، وهكذا إلى سائر البحوث التي اشتدت عناية الفقهاء بها بسبب كثرة الرق والأرقاء في هذا العصر.
ومما يتصل بسبب قوي بهذه الناحية الاجتماعية من تلك البيئة العامة، ما كان من العناية بأحكام الغناء وما هو من هذا السبيل، وذلك بسبب كثرة المغنيين والمغنيات من العبيد والجواري الذين كثر اتخاذهم في هذا العصر، والذين فشا إعدادهم لهذه الحرفة وما يتصل بها.
ومن الناحية السياسية، نرى أبا حنيفة يعاصر الدولة الإسلامية، وهي دولة واحدة، عاصمتها دمشق تحت حكم أسرة الأمويين، ثم يشاهد هذه الدولة، وقد صارت دولتين: دولة العباسيين في الشرق وعاصمتها بغداد، ودولة الأمويين في الأندلس وعاصمتها قرطبة.
نامعلوم صفحہ