هذا ما أردت أن أقوله لكم في هذا المقام، ولكني قبل الختام، وبمناسبة ما ذكره حضرة صديقنا شيخ المحامين وكبيرهم إبراهيم بك الهلباوي (وكأني به قد خشي أن تنثني عزائمنا لما نلقاه من المعارضة) لا أرى بدا من أن أطمئنه وأن أوجه أنظاركم أيها السادة إلى أنني لا أكره المعارضة، بل إذا انعدمت هذه المعارضة فإنني أعمل على خلقها لما لها من نفع وفائدة في الوصول إلى الحقيقة، وتمحيص كل أمر على أكمل وجه، ولكني أريد المعارضة الشريفة التي تترفع عن الاعتبارات الشخصية، ولا تنزل إلى اختلاق الأكاذيب والعمل على النيل من الخصم بكل وسيلة، والنظر إلى كل عمل من أعماله بمنظار البغضاء والعداوة. إنني أريد الخصومة الشريفة التي لا تنظر إلا لمصلحة الوطن وخير البلد، وتدرس كل أمر لذاته مجردا عن كل اعتبار شخصي، هذه الخصومة الشريفة أتمنى وجودها، وأمد يدي لمصافحتها. أما تلك الخصومة الحمقاء التي تأخذ على الناس سبيل آرائهم، وتزري بأقدارهم، وترجمهم في الطرقات، وتعمل على اضطهادهم ماديا وأدبيا عقابا لهم على رأي أو قول، تلك الخصومة الحمقاء المجرمة التي تزعم أنها تعمل هذا باسم الحرية ودفاعا عن الحرية، فتحقق بذلك القول المشهور: «أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك»، تلك المعارضة المجرمة يجب علينا جميعا مكافحتها إلى النهاية؛ لأنها نكبة على بلد ناهض، وسأجد من عونكم ما يعينني على الوقوف في وجهها.
أيها السادة؛ متى فتح البرلمان المصري أبوابه فستقوم منا أحزاب وشيع تبعا لاختلاف الآراء، وتعدد وجهات النظر، وسيعمل كل حزب على خدمة الوطن بالسبيل التي يراها أقوم السبل. أما اليوم فإننا جميعا سواء أمام المطلب الأسمى للأمة، وإذا كنا في وقت من أوقات تاريخنا في حاجة إلى الاتحاد فإنما هو هذا الوقت الذي نرجو فيه أن نسعى في إزالة ما يحول بيننا وبين التمتع الكامل باستقلالنا.
فأنا أنادي الأمة باسم الوطن ومصلحته بضم صفوفنا، وتناسي الماضي، وليكن كلنا حزبا واحدا في خدمة بلادنا.
والله المسئول أن يقرب اليوم الذي تتحقق فيه جميع آمالنا في ظل حضرة صاحب الجلالة ملك مصر أطال الله ملكه وأدام عزه. (10) حديث ثروت باشا عن السودان مع مكاتب الأهرام في 22 مايو سنة 1922
تفضل صاحب الدولة رئيس الوزارة بالجواب على الأسئلة التي ألقيناها بخصوص السودان، وهذا نص الحديث:
س:
لغط الناس كثيرا في مسألة السودان في العهد الأخير، وتساءلوا لم لم تبد الحكومة بيانا عن خطتها ورأيها في مركز السودان بالنسبة لمصر؟
ج:
تذكرون أن مسألة السودان من المسائل المحتفظ بها للمفاوضات المقبلة كما ورد ذلك في كتاب المندوب السامي البريطاني إلى جلالة الملك في 28 فبراير سنة 1922، ولكن ليس معنى الاحتفاظ بمسألة لزمن مقبل ألا يكون للحكومة المصرية رأي فيها ومذهب تدافع عنه وتسعى لتحقيقه، وغير صحيح أن الحكومة لم تبد رأيها في مركز السودان بالنسبة لمصر؛ فإن برنامج الوزارة كان بهذه العبارة: «لم يكن لزملائي ولي، ونحن نشاطر الأمة أمانيها في الاستقلال، إلا أن نقر الوفد الرسمي على ما فعل.» ولم يغب عن ذهن أحد أن الوفد أشار في الرد الذي أرسله إلى اللورد كرزون إلى مذهبه في علاقة مصر بالسودان، وقال في ذلك: «أما مسألة السودان التي لم يكن قد تناولها البحث، فلا بد لنا فيها من توجيه النظر إلى أن النصوص الخاصة بها لا يمكن التسليم بها من جانبنا؛ فإن هذه النصوص لا تكفل لمصر التمتع بما لها على تلك البلاد من حق السيادة الذي لا نزاع فيه وحق السيطرة على مياه النيل.»
وليس معنى إقرار الوفد الرسمي على ما فعل إلا أن الوزارة أخذت بمذهبه في المسائل المختلفة التي تعرض لها في الرد، ومنها مسألة السودان، فرأي الحكومة في السودان رأي غير مكتوم، وإذا لم يكن الذين ينتقدون على الحكومة عدم إبداء رأيها في السودان قد تنبهوا إلى هذا الرأي فليس ذلك من ذنب الحكومة.
نامعلوم صفحہ