أبكار الأفكار في أصول الدين
أبكار الأفكار في أصول الدين
اصناف
ولهذا لو قدرنا الواحد منا في نفسه ، اقتضى فعلا من شخص معدوم ، واستمر ذلك الاقتضاء إلى حين وجود المقتضى منه ؛ فإنه إذا علم به إما بواسطة ، أو بغير واسطة ، وكان الطالب ممن يجب الانقياد له ؛ كان ذلك الاقتضاء بعينه أمرا له ، وموجبا لانقياده ، وطاعته من غير استئناف طلب آخر.
فعلى هذا النحو هو أمر الله تعالى للمعدوم ، وتعلقه به. واشتراط فهم [المأمور (1) ] ، إنما يكون عند تعلق الخطاب به في حال وجوده لا غير. ومن فهم معنى كلام النفس (2)، ودفع عن وهمه الأزمان المتعاقبة ، والأحوال المختلفة لم يخف عليه ما قررناه.
وربما استروح بعض (3) الأصحاب في (4) هذا الباب إلى المناقضة ، والإلزام فقال :
كيف يصح استبعاد تعلق الأمر بمأمور معدوم (4)؟ وعندكم أنه لا يتناول المأمور به إلا قبل حدوثه. ومهما وجد. خرج عن أن يكون مأمورا به ، وهو أحد متعلقى الأمر. فإذا لم يبعد تعلق الأمر بالفعل المعدوم ؛ لم يبعد تعلقه بالفاعل المعدوم.
وأيضا : فإن الأمة مجمعة على أننا في وقتنا هذا مأمورون (5). وعندكم أن الأمر قد تقضى ، ومضى ، فإذا لم يبعد وجود مأمور ولا أمر ، لم يبعد وجود أمر بلا مأمور. ولو لزم من وجود الأمر وجود المأمور ؛ للزم من وجود القدرة ، وجود المقدور ؛ وذلك يجر إلى قدم المقدور ، لقدم القدرة ؛ وهو محال على كلا المذهبين.
وفيه نظر ؛ وذلك أن الأمر ، والنهي من خطاب / التكليف ، والتكليف يستدعى مكلفا به ، والمكلف به يجب أن يكون معلوما مفهوما ؛ ليصح قصده لغرض الإتيان به ، والانتهاء عنه ؛ إذ هو مقصود التكليف.
فإذن الفهم شرط في التكليف. ولهذا خرج من لا فهم له عن أن يكون داخلا في التكليف : كالجمادات ، وأنواع الحيوانات العجماوات ، ونحو ذلك ؛ لعدم شرط التكليف في حقهم.
صفحہ 392