306

أبكار الأفكار في أصول الدين

أبكار الأفكار في أصول الدين

اصناف

المسلك الأول (1). وكذلك قد يشتد صفا نفس بعض الناس بحيث يقرب اتصالها بالعقول والنفوس العلوية ، بحيث يطلع على الأشياء الغيبية من غير واسطة ، ولا بعلم ؛ فيسمع من الأصوات ويرى من الصور ما لا يسمعه ، ولا يراه من ليس من أهل منزلته من البشر على نحو ما يسمعه ويراه النائم في منامه ؛ فيكون حاله إذ ذاك نازلة منزلة ما لو أوحى الله : بأن الأمر الفلانى كذا ، وكذا ؛ ولا منازعة في الإطلاقات بعد فهم المعنى.

سلمنا أنه لا بد من ثبوت صفة نفسانية ؛ ولكن ذلك لا يسمى كلاما ؛ إذ الكلام في اللغة : عبارة عن الأصوات ، المقطعة ، المنتظمة ، الدالة بالوضع دلالة مفيدة وبتقدير أن يسمى ذلك كلاما ؛ فالمعقول من الصفات النفسانية غير خارج عن القدرة ، والإرادة ، والتميز الحاصل للنفس الحيوانية بالحواس الباطنة ؛ وذلك كما تتصوره القوة الخيالية من شكل الفرس عن شكل الحمار ، ونحوه. وما تتصوره القوة الوهمية من المعنى الذي يوجب للشاة نفرتها من الذئب ، ونحوه. والتميز الحاصل للنفس الناطقة الإنسانية بالقوة النظرية التى بها إدراك الأمور الكلية بالفكرة ، والروية : وذلك كتصورنا معنى الإنسان من حيث هو إنسان ، وحكمنا عليه بأنه حيوان ونحوه (2) فإن أريد به القدرة ، أو الإرادة ؛ فذلك غير خارج عما سبق إثباته من الصفات.

وإن أريد به التمييز ، والتصور الحاصل للنفس الحيوانية (3)، والإنسانية (3)؛ فذلك أيضا غير خارج عن قبيل العلوم.

كيف : وأنه بتقدير أن يراد به التميز الحاصل بالحواس الباطنة ؛ فإن إدراكها لذلك لا يكون إلا بانطباع الصور المحسوسة أولا ، في إحدى الحواس الظاهرة الخمس ، ثم بتوسطها في الحس المشترك : وهى القوة المترتبة في مقدم التجويف الأول من الدماغ على نحو انطباع الصور في الأجرام الثقيلة المتقابلة ، ثم بتوسطها / فى المفكرة ، ثم في الوهمية ، ثم في الحافظة (4) . وبعض هذه القوى وإن لم يفتقر في الانطباع إلى حضور المادة : كالحس المشترك ، والمفكرة ، والوهمية ، والحافظة ؛ فهى لا تنفك في الانطباع

صفحہ 388