A Treatise on Dealing with the Unjust Thief
مختصر في معاملة الظالم السارق
تحقیق کنندہ
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
ناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
اصناف
مختصر في معاملة الظالم السارق
2 / 639
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رب يسر يا كريم
وبعد. فهذا مختصر، فيما روي عن أهل المعرفة والحقائق في معاملة الظالم السارق.
قد روي عن النبي ﷺ أنَّه نهي عن سب السارق والدعاء عليه. خرَّج أبو داود (١) من حديث عائشة، "إنها سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَا تُسَبِّخِي: أَيْ لَا تُخَفِّفِي.
وخرَّجه الإمام ﴿أحمد﴾ (٢) من وجه آخر، عن عائشة قالت: "سُرقت لحفتي، فدعوت الله عَلَى صاحبها، فَقَالَ النبي ﷺ "لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ، دعيه بذنبه". والمراد، أن من ذهب له مال بسرقة، ونحوها فإن ذهابه، من جملة المصائب الدنيوية، والمصائب كلها كفارة للذنوب، والصبر عليها: (يحصل للصابر) (٣) الأجر الجزيل.
وفي حصول الأجر له عَلَى مجرد المصيبة، خلاف مشهور بين العُلَمَاء.
فإذا كانت المصيبة من فعل آدمي ظالم: كالسارق والغاصب ونحوهما، فإن المظلوم يستحق أن يأخذ يوم القيامة من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، طرحت من سيئات المظلوم عليه.
فإن دعا المظلوم علي ظالمه في الدُّنْيَا، فقد استوفي منه بدعائه بعض حقه، فخف وزر الظالم بذلك، فلهذا، أمر النبي ﷺ عائشة أن
_________
(١) برقم (١٤٩٧).
(٢) ما بين المعقوفتين بياض بالأصل، والسياق يقتضيه.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٤٥، ١٣٦) عن عائشة قالت: "سرقها سارق فدعت عليه فَقَالَ لها رسول الله ﷺ: «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ» واللفظ الآخر أن الَّذِي سرقَ ثوبٌ لها.
(٣) في الأصل (يحصل للصابه للصابر) وهو خطأ من الناسخ، والصواب حذف "للصابه".
2 / 641
تصبر، فلا تدعو عليه، فإن ذلك يخفف عنه. وخرَّج الترمذي (١) من حديث عائشة عن النبي ﷺ قال «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ».
وروي ليث، عن طلحة: أن رجلًا لطم رجلًا، فَقَالَ: اللهم إِن كان ظلمني فاكفنيه. فَقَالَ له مسروق: قد استوفيت.
وقال مجاهد: لا تسبن أحدًا، فإن ذلك يخفف عنه، ولكن أَحَبّ لله بقلبك وأبغض لله بقلبك. وقال سالم بن أبي الجعد: الدعاء قصاص.
وشكا رجل إلي عمر بن عبد العزيز رجلًا ظلمه، وجعل يقع فيه، فَقَالَ له عمر: إنك إِن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه، وقد استقضيتها.
وقال أيضًا: بلغني أن الرجل، ليظلم بمظلمة، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه، حتي يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه قال بعض السَّلف: لولا أن الناس يدعون علي ملوكهم، لعجل لملوكهم العقاب. ومعنى هذا: يشير إِلَى أن دعاء الناس عليهم استفاء منهم بحقوقهم من الظالم، أو لبعضها، فبذلك يدفع عنهم العقوبة.
وروي عن الإمام أحمد، قال: ليس بصابر من دعا عَلَى من ظلمه.
وفي مسند الإمام أحمد (٢)، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ، فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ ﷿، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ". ويشهد له ما خرّجه مسلمٌ في "صحيحه" (٣) من حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "ما زاد الله عبدًا بعفوٍ، إلا عزًّا". فإن دعا عَلَى من ظلمه بالعدل جاز، وكان مستوفيًا لبعض حقه منه، وإن اعتدى عليه في دُعائه
_________
(١) برقم (٣٥٥٢). وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة، وقد تكلم بعض أهل العِلْم في أبي حمزة، وهو: ميمون الأعور.
(٢) (٢/ ٤٣٦).
(٣) برقم (٢٥٨٨).
2 / 642
لم يجز.
وروي عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ (١) قال: لا يُحب الله أن يدعو أحدٌ عَلَى أحد، إلا أن يكون مظلومًا، فإنَّه قد رُخص له أن يدعو عَلَى من ظلمه؛ وذلك قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ ومن صبر فهو خير.
وقال الحسن: قد أرخص له أن يدعو عَلَى من ظلمه، وذلك قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ ومن صبر فهو خير. وقال الحسن: قد أرخص له أن يدعو عَلَى من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه. وروي عنه، قال: لا تدع عليه، ولكن قل: اللهم أعني عليه، واستخرج حقي منه. ومن العارفين من كان يرحم ظالمه، فربَّما دعا له. سرق لبعضهم شيءٌ فقِيلَ لَهُ ادع الله عليه، فَقَالَ: اللهم إِن كان فقيرًا فأغنه، وإن كان غنيًّا فأقبل بقلبه.
وقال إبراهيم التيمي: إِنَّ الرجل ليظلمني، فارحمه. قِيلَ لَهُ: كيف ترحمه وهو يظلمك؟ قال: إنه لا يدري لسخط من تعرَّض. وآذى رجلٌ أيوب السَّختياني، وأصابه أذى شديدًا، فلما تفارقوا، قال أيوب: إني لأرحمه، إنا نُفارقه وخلقه معه!
وقال بعضهم: لا يكْبُرنَّ عليك ظُلم من ظلمك، فإنما سعى في مضرَّته، ونفعك.
وقيل لبعض السَّلف الصالح: إِنَّ فُلانًا يقع فيك، قال: لأغيظنَّ من أمرهُ. يغفر الله لي وله. قيل: من أمرُه؟! قال الشيطان.
وقال الحجاج بن الفرافِصة: بلغنا أنَّ في بعض الكُتب: من استغفر لظالمه، فقد هزم الشيطان.
وقال الفُضيل بن عياض: حسناتك من عدِّوك أكثر منها من صديقك؟! إِن عدوك يغتابك، فيدفع إليك حسناته الليل والنهار، فلا ترضى إذا ذُكر بين
_________
(١) النساء: ١٤٨.
2 / 643
يديك تقول: اللهم أهلكه. لا، بل ادع الله له: اللهم أصلحه، اللهم راجع به، فيكون الله يُعطيك أجر ما دعوت؛ فإنَّ من قال لرجل: اللهم أهلكه فقد أعطى الشيطان سؤله؛ لأنّ الشيطان إِنَّمَا يدور منذ خلق الله آدم عَلَى هلاك الخلق.
وفي كتاب "الزُّهد" للإمام أحمد، أنَّ رجلًا من إخوان فُضيل بن عياض، من أهل خُراسان، قدم مكة، فجلس إِلَى الفُضيل في المسجد الحرام يُحدِّثه، ثم قام الخُراساني يطوف، فسرقت منه دنانير ستين أو سبعين، فخرج الخراساني يبكي. فَقَالَ له فُضيل: ما لك؟ قال سُرقت الدنانير، قال: عليها تبكي؟ قال: لا مَثَّلتُني وإياه بين يدي الله ﷿، فأشرف عقلي عَلَى إدحاض حجته، فبكيت رحمة له.
وسُرق لبعض المتقدمين شيءٌ، فحزن عليه. فذكر ذلك لبعض العارفين، فَقَالَ له: إِن لم يكن حزنك عَلَى أنَّه قد صار في هذه الأمة من يعمل هذا العمل، أكثر من حزنك عَلَى ذهاب مالك، لم تؤدِّ النصيحة لله ﷿ في عباده إِلَيْهِ!! أو كما قال.
وخرَّج الإمام أحمد (١)، وأبو داود (٢)، والنسائي (٣)، وابن ماجه (٤)، من حديث أبي أمية المخزومي عَنِ النَّبِيَّ ﷺ، أَنَّهُ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أخَالُكَ سَرَقْتَ؟» قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا!! فَأَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَ. وَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ ﴿اللَّهَ﴾ (٥) وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ» ثَلَاثًا. ولفظُه لأبي داود. وفي صحيح البُخاري (٦) عن
_________
(١) (٥/ ٢٩٣).
(٢) برقم (٤٣٨٠).
(٣) (٨/ ٦٧).
(٤) برقم (٢٥٩٧).
(٥) ما بين معقوفتين سقط من الأصل، واستدركته من سنن أبي داود.
(٦) برقم (٦٧٧٧).
2 / 644
أبي هُريرة، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ»، فَضَرَبُوهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ». وفي رواية له أيضًا (١) «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» وخرّجه النسائي (٢) بمعناه. وزاد "ولكن قولوا: رحمك الله" وخرَّجه أبو داود (٣)، وعنده: "ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".
وخرَّج البخاري أيضًا (٤)، من حديث عُمر بن الخطاب، أنَّ رجلًا كان عَلَى عهد النبي ﷺ، كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارًا، وكان رسول الله ﷺ يضحك منه، وكان رسول الله ﷺ، قد جلده في الشراب فأُتي به يومًا، فأمر به فجلد، فَقَالَ رجلٌ من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يُوتي به، فقام النبيُّ ﷺ وقال: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
تم، وصلى الله علي سيدنا محمد.
_________
(١) برقم (٦٧٨١).
(٢) في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (١٠/ ٤٧٤).
(٣) برقم (٤٤٧٨).
(٤) برقم (٦٧٨٠).
2 / 645