أمَّا تهديدها ووعيدها له بالإذلال فيبدو أنَّه كلام خارج من اللِّسان ولم يقصده القلب ببرهان، ولذلك نراها لم تؤكِّد تقرير الإذلال بالنُّون الثَّقيلة، واكتفت بالخفيفة.
الأسبابُ الَّتي أدَّت إلى سجْنِ يُوسُفَ
قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)﴾ قد يسأل سائل: ما الآيات الَّتي بدت لهم، حتَّى يسجنوا يُوسُفَ ﵇؟!
والجواب: أنَّهم قرَّروا سجنه بعدما رأوا الآيات القاطعة ببراءته ﵇ ممَّا قذفته به، والقاضية بعفَّته، ومن تلك الآيات قدُّ القميص من دبرٍ وعدم تفنيدها لهذا الدَّليل، وسكوتها حينما سمعت قول العزيز: ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾، وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾، وحين أباحت سرَّها للنِّسوة: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ فمن لم يكسه الحياءُ ثوبَه يرى النَّاس عيبَه، وما كانَ يظْهرُ على وجهها ممَّا تضمِرُه ليُوسُفَ من حبٍّ، فما أضْمَرَ أحدٌ شيئًا إلَّا ظهر في فلتات لسانه، ولحن قوله، وصفحاتِ وجهِه، قال زهير:
ومهما تَكُنْ عِنْدَ امرئ من خَلِيْقَةٍ ... وإنْ خَالها تخْفى على النَّاسِ تُعْلَمِ (^١)
ولذلك قرَّروا سجنَ يُوسُفَ؛ إيهامًا أنَّه هو المذنب؛ دفعًا لمعرَّة التُّهمة عنها، وسعيًا في إرخاء السَّتر عليها، وقَطْع قَالة النَّاس عنها، ولهذا لمَّا طلبه ملك مصر، امتنع من الخروج حتى تظهر براءَتُه مما نُسِبَ إليه، فلمَّا تقرَّر ذلك خرج طَاهرَ الثَّوب، حَسَنَ النَّقيبة، كريم الخَلِيقة.