A Glimpse of the Eloquence in Surah Yusuf in the Quran
غرر البيان من سورة يوسف ﵇ في القرآن
ناشر
دار الفاروق للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
پبلشر کا مقام
عمان
اصناف
الثَّباتُ على المبادِئ
وعلاوة على ما سبق نرى يعقوب - ﵇ - في حادثتي يُوسُف وأخيه، قال لأولاده نفس الجملة الشَّريفة: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ لا شكوى فيه ولا تبرُّم، ولعمري لو كان غيره مكانه لملأ طِبَاقَ الأرض صُراخًا وعَويلًا، ولنظم شعرًا يُمزِّقُ الأفئِدةَ ويفتِّت الأكبادَ، ولكنْ هي أخلاق الأنبياء أصحاب المبادئ الثَّابتة والخِلال الحميدة، ولا عجب؛ فالأنبياء كانوا يتعايشون بالدِّين، وما أشدَّ حاجتنا إلى أن نتعايش بالدِّين والمروءة والأخلاق، لا بالجهل والسَّفاهة والانحطاط!
آية كأنَّها ثوبٌ سابغ على يعقوب - ﵇ - ـ
كانت حياةُ يعقوب - ﵇ - مفْعَمةً بألوان الكروب والابتلاءات النَّادرة المثال في تاريخ البشر؛ فإنَّه - ﵇ - كان يخاف على يُوسُفَ من كيد إخوته وقد كادوه، ثمَّ وقع هو وأسرته في شيءٍ من الجُوع ونقص من الأموال
والثَّمرات في أعوام الجدب والقحط، ونقص من أولاده، ومع هذا فقد صبر صبرًا جميلًا، وصدق الله تعالى القائل في محكم كتابه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥)﴾ [البقرة].
عَبَراتٌ على يُوسُفَ
كَرِه يَعْقُوبُ - ﵇ - ما أخبره به أولاده، فَأَعْرَضَ ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾ في مَعْزلٍ، وقد قهره الأسَفُ والشَّوقُ والتَّلهُّفُ، وأعياه الحزنُ، وشفَّه الوجدُ، ولَذَعَ قلْبَه الفراق، ﴿وَقَالَ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ﴾ أي يا حسرتي وحزني وحرقتي على يُوسُفَ! ففرَّج - ﵇ - عن نفسه بهذه الكلمة البديعة التي لم ينطق سواها، وبين لفظتي الأسف ويوسف تجانس بديع، يسمَّى جناس الاشتقاق، وهو يُضْفِي على النَّص حسنًا صوتيًّا من حيث الإيقاع اللَّفظي، ويكسِبُ النَّص عنصر المفاجأة، وثراء
1 / 155