A Critical and Guiding Study on the Book about Sects in Muslim History: Kharijites and Shiites
عرض ونقد دراسة نقدية وتوجيهية لكتاب دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
السنة السادسة والعشرون - العدد ١٠١
اشاعت کا سال
١٠٢ ١٤١٤ - ١٤١٥هـ/ ١٩٩٤- ١٩٩٥م
اصناف
مُقَدّمَة
...
عرض وَنقد دراسة نقدية وتوجيهية
لكتاب دراسة عَن الْفرق فِي تأريخ الْمُسلمين الْخَوَارِج والشيعة
تأليف الدكتور أَحْمد مُحَمَّد أَحْمد جلى
بقلم الدكتور عَليّ بن مُحَمَّد نَاصِر الفقيهي
إِن الْحَمد لله نحمده وستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ﷺ.
أما بعد:
فَهَذِهِ دراسة مُخْتَصره أجريت فِيهَا مُقَارنَة لما زَاده الدكتور أَحْمد مُحَمَّد جلي فِي طبعته الثَّانِيَة، عَام ١٤٠٨ هـ لكتابه الْمُسَمّى "دراسة عَن الْفرق فِي تَارِيخ الْمُسلمين، الْخَوَارِج والشيعة" على الطبعة الأولى عَام ١٤٠٦ هـ. وَكِلَاهُمَا من مطبوعات مَرْكَز الْملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
فقد أعجبت بالطبعة الأولى، وَلما جَاءَت الطبعة الثَّانِيَة، وَذكر الْمُؤلف فِي ص ١٠ أَنه فِي الْفَصْل الرَّابِع الْخَاص بعقائد الشِّيعَة الإمامية، حاول تأصيل القضايا وربط الْفَصْل كُله بِمَا جد من تطورات فِي أفكار بعض الشِّيعَة.
كَمَا ذكر أَنه أضَاف مبحثا خَاصّا عَن النصيرية، فقد تطلعت لمعْرِفَة هَذِه الزِّيَادَات، لِأَن الشِّيعَة الإمامية عِنْدهم عقيدة هِيَ الدّين كُله وَهِي "التقية" وَلِأَن عقائد، الرافضة مُنْذُ وضع أُصُولهَا "عبد الله بن سبأ"لم تتطور إِلَى الْأَحْسَن بالنسبه لأهل السّنة، وَقد وجدت تِلْكَ الزِّيَادَات الَّتِي تبناها الْكَاتِب ودعى إِلَيْهَا لَيست من أهداف مَرْكَز الْملك فيصل.
وَلَو أرْسلت هَذِه الطبعة مَعَ الطبعة الأولى، مَعَ هَذِه الدراسة للأساتذة الَّذين أوصوا الْكتاب لظهر لَهُم فِيهِ رَأْي آخر.
ولقراءتي لهَذِهِ الطبعة المنشورة، وَلما لاحظته عَلَيْهَا، رَأَيْت أَن الْوَاجِب عليَّ أَن أنبّه على ذَلِك فِي هَذِه الدراسة وَهِي دراسة، تتَنَاوَل مبَاحث الْكتاب كُله، وَذَلِكَ لإعطاء الْمُؤلف حَقه وَبَيَان الأخطاء عِنْده نصيحة لعامة المسليين من أهل السّنة، كَمَا قَالَ ﷺ: "الدّين النَّصِيحَة".
1 / 487
وَلِهَذَا سَتَكُون الدراسة مُنَاسبَة لحجم الْكتاب الَّذِي يَقع فِي ٣٩٣ صفحة، فَلَنْ تكون طَوِيلَة، وسيكون النقاش فِيهَا للأفكار والآراء علميًا إِن شَاءَ الله.
أَولا: عنوان الْكتاب:
بِنَاء على مَا توصل إِلَيْهِ الْمُؤلف فِي بحوث كِتَابه من أفكار الطَّائِفَتَيْنِ ومناهجها، والنتائج الْوَاضِحَة الَّتِي توصل إِلَيْهَا فِي بَيَان عقائدها، فَإِنِّي أرى أَن العنوان الْمُنَاسب هُوَ: "دراسة تحليلية ونقدية لفرق الْخَوَارِج والشيعة فِي ضوء الْكتاب وَالسّنة وَمَا عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة".
ثَانِيًا: وصف الْكتاب ومباحثه:
اشْتَمَل الكَتاب بعد الْمُقدمَة على ثَمَانِيَة فُصُول وخاتمه وَهُوَ فِي ٣٩٣ صفحة بِمَا فِيهَا الفهارس، وَهَذِه هِيَ الطبعة الثَّانِيَة عَام ١٤٠٨ هـ وَهِي الَّتِي فِيهَا الزِّيَادَات الَّتِي تحمل أفكارًا جَدِيدَة.
أما الطبعة الأولى سنة ١٤٠٦ وَهِي الَّتِي أوصى الخبراء بطبعها، فَتَقَع فِي ٣٣٢ صفحة.
وَفد اشْتَمَلت الْفُصُول الثَّمَانِية على بحوت عَن الطَّائِفَتَيْنِ- الْخَوَارِج- والشيعة- وَمَا تفرع عَنْهُمَا أَو اتَّصل بهما وتشعب عَنْهُمَا من فرق ذَات مسميات مُخْتَلفَة مَعَ أَن الأَصْل والهدف وَاحِد، وَهُوَ الْهدم لهَذَا الدّين الَّذِي اخْتَارَهُ الله ليَكُون خَاتم الْأَدْيَان كلهَا، سَوَاء كَانَ ذَلِك الْهدم عَن سوء قصد وَفَسَاد نِيَّة وتخطيط مدروس، كَمَا هُوَ الْحَال فِي فرق الشِّيعَة الرافضة والباطنية- حَيْثُ أَن أصولهم وَضعهَا عبد الله بن سبأ اليهوديَ الْحِمْيَرِي الماكر الَّذِي أسلم نفَاقًا، "وأَوَى بذره وَضعهَا هِيَ دَعْوَى الْوَصِيَّة من الرَّسُول ﷺ لعَلي بن أبي طَالب ﵁ بالخلافة- وَأَن الصَّحَابَة خالفوا تِلْكَ الْوَصِيَّة.
وَهَذَا مَا أثْبته الْكشِّي الشيعي الإمامي فِي كِتَابه "رجال الشِّيعَة ص ٧١ فِي
1 / 488
تَرْجَمَة عبد الله بن سبأ، وَمثله النوبختي فِي فرق الشِّيعَة ص ٢٢ وَهُوَ شيعي. وَكَذَلِكَ الحاقدون من الْمَجُوس.
أَو كَانَت بداية الْهدم عَن جهل متناهٍ بنصوص الشَّرِيعَة وفهمها والابتعاد عَن التتلمذ على الصَّحَابَة الَّذين شهدُوا التَّنْزِيل وسمعوا من رَسُول الله ﷺ وفهموا أَحْكَام الشَّرِيعَة ومقاصدها،- وَقد دفع الحاقدون على الْإِسْلَام وعَلى نبيّ الْإِسْلَام وَالصَّحَابَة الْكِرَام- هَؤُلَاءِ الْجُهَّال إِلَى الطعْن فِي حَملَة هَذَا الدّين وإلىِ تَحْرِيف نصوصه- وَقد كَانَت البذرة الأولى الْخَوَارِج الَّذين كفّروا الصَّحَابَة بَدَلا من التفقه عَلَيْهِم- وَقد أخبر رَسُول الله ﷺ عَن وصف هَؤُلَاءِ- فَذكر عِبَادَتهم وقراءتهم لِلْقُرْآنِ، وَلكنه قَالَ: "إِن تِلْكَ الْقِرَاءَة لَا تتجاوز حَنَاجِرهمْ " أَي لَا فقه عِنْدهم فِي دين الله.
كَمَا وَصفهم عبد الله بن عمر ﵁ بقوله كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْمُرْتَدين "بِأَنَّهُم عَمدُوا إِلَى آيَات نزلت فِي الْكفَّار فطبقوها على الْمُسلمين" وَمَا ذَلِك إِلَّا لجهلهم وَعدم فقههم فِي الدّين، وابتعادهم عَن الصَّحَابَة الَّذين يفقهونهم فِي الدّين.
وكلتا الطَّائِفَتَيْنِ- الْخَوَارِج- والشيعة- قد سببتا لهَذَا الدّين والمتمسكين بتعاليمه الصِحيحة متاعب أحدثت صدوعا فِي صُفُوف الْأمة بأفكارها المنحرفة قَدِيما وحديثًا.
وَأَن الباحث قد قَامَ بدراسة لأصول هَذِه الْفرق وَبَين أَسبَاب نشأتها، كَمَا ذكر الطوائف المتفرعة مِنْهَا، وَبَين أهدافها وَأَنَّهَا كلهَا تسْعَى للوصول لغَرَض وَاحِد هُوَ هدم هَذَا الدّين وتقويض أَرْكَانه.
وَمَعَ وُصُول الباحث إِلَى هَذِه النتيجة الموثّقة بِمَا نَقله من نُصُوص صَرِيحَة من كتب هَذِه الْفرق- كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله- إِلَّا أَنه يثني على فكرة الخميني ويمدح " الْحُكُومَة الإسلامية، أَو ولَايَة الْفَقِيه" فَيَقُول: ولَايَة الْفَقِيه وَقيام الْفُقَهَاء - بِإِقَامَة الدولة الإسلامية للنَّظَر فِي إِقَامَة أَمر الدّين وتنظيم شؤون النَّاس ...
1 / 489
الخ نِيَابَة عَن الإِمام- خطوَات طيبَة فِي مدّ الجسور بَين السّنة والشيعة ص ٢٤٣-٢٤٤.
بل يرى أَن من ترك رَأْيه من الطوائف المنحرفة واعتنق مَذْهَب الأمامية شَأْنه يَنْبَغِي أَن يشاد بِهِ لِأَنَّهُ اتّجه إِلَى سَبِيل تَصْحِيح العقيدة، ص ٣٣٢.
ثمَّ وضع الْحُلُول للمسائل الْمُعَلقَة بَين السّنة والشيعة كَمَا يرى- وَهِي حُلُول تنازل أهل السّنة عَن معتقدات الشِّيعَة الإِمامية- فِي دَعْوَى تَحْرِيف الْقُرْآن، وتكفير الصَّحَابَة، والطعن فِي السّنة، ص ٢٤٢- ٢٤٤.
مَعَ أَنه أثبت فِي ص ٢٤٠ من كتب الإِمامية المعاصرين اتهامهم للصحابة بِالْوَضْعِ والتزوير وَالْكذب.
وَسَيَأْتِي هَذَا مفصلا فِي مَوْضِعه ... بعد ذكر مَا للباحث من جهود فِي هَذَا الْبَحْث.
ونبدأ بحَديثه عَن الْخَوَارِج وَالَّذِي بدأه من ص ٥١- ٩٩ ثمَّ الحَدِيث عَن ظَاهِرَة الْخُرُوج فِي هَذَا الْعَصْر والْحَدِيث عَن جمَاعَة التَّكْفِير وَالْهجْرَة من ص ١٠٨-١٤٦.
فقد ذكر الباحث تأريخ نشأة الْخَوَارِج، ومبادئهم ومعتقداتهم، وَمن أهمها تَكْفِير مرتكب الْكَبِيرَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَفِي الدُّنْيَا لَا يَرث وَلَا يُورث وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَفِي الْآخِرَة خَالِد مخلد فِي النَّار.
وَغير ذَلِك من الأفكار والمعتقدات الْمُخَالفَة لمنهج وعقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَقد بَين الباحث تِلْكَ الأفكار والمعتقدات سالكًا فِي ذَلِك مَسْلَك الْبَحْث العلمي، وَذَلِكَ بإيراد النُّصُوص من الْكتاب وَالسّنة الدَّالَّة على ذَلِك، موثقة من مصادرها ذَاكِرًا الْجُزْء والصفحة.
وَالَّذِي ميز هَذَا الْبَحْث فِي نَظَرِي ربط الباحث بَين أفكار الْخَوَارِج
1 / 490
ومناهجهم فِي تعاملهم مَعَ النُّصُوص، وَمَعَ الْعلمَاء بل سَادَات الْعلمَاء وهم الصَّحَابَة.
وَبَين أفكار المعاصرين من جماعات التَّكْفِير وَالْهجْرَة وَمن سلك مسلكهم فِي الحكم على عُلَمَاء الْأمة الْمُخَالفَة لعقيدتهم- بالْكفْر- ثمَّ تعاملهم مَعَ النُّصُوص وفهمها، ونبذ أراء ومؤلفات الْعلمَاء من سلف هَذِه الْأمة.
لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْفرق الَّتِي احتفظت باسمها التاريخي- كالأباضية، الَّتِي أورد الباحث من مصادرهم ومؤلفاتهم، أفكارهم وعقائدهم فِي تَكْفِير أَصْحَاب الْمعاصِي وتخليدهم فِي النَّار، وَالْقَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنفي رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ ربّهم فِي الْآخِرَة، وكل معتقدات الْمُعْتَزلَة فِي بَاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات، ورأيهم فِي الصَّحَابَة.
أَو من سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِم- من تَسْمِيَة من سموا أنفسهم بِجَمَاعَة التَّكْفِير وَالْهجْرَة الَّذين حكمُوا على من سوى جَمَاعَتهمْ بالْكفْر، لَا فرق بَين حَاكم ومحكوم، دون إِقَامَة الْحجَّة وَإِزَالَة الشُّبْهَة عَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِم، وَدون الْفرق بَين القَوْل وَالْقَائِل، لِأَن القَوْل قد يكون كفرا، وَالْقَائِل لَا يكفر إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة وَإِزَالَة الشُّبْهَة عَنهُ، كَمَا هُوَ مَنْهَج أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
وَإِن لم يتَعَرَّض الباحث لهَذِهِ الْقَاعِدَة.
وَقد وثق الباحث كَمَا قلت أَقْوَال الإباضية من كتبهمْ- وَلم يطلع على كتاب جَدِيد لمؤلف معاصر الْمُسَمّى "الْحق الدامغ " للشَّيْخ أَحْمد بن حمد الخليلي، الْمُفْتِي الْعَام لسلطنة عمان، طبعة عَام ١٤٠٩ هـ فقد صدر بعد طبع كِتَابه، الَّذِي خصصه لثلاث مسَائِل هِيَ: القَوْل بِخلق الْقُرْآن، نفي الرُّؤْيَة، خُلُود أَصْحَاب الْمعاصِي فِي النَّار، حَيْثُ قَالَ فِي ص ٢٠: للإباضية فِيهَا موقف لم يتَّفق مَعَ رغبات أُولَئِكَ الحاقدين ... الخ.
وَهَذَا يُوضح للقارئ أَن تِلْكَ الأفكار الهدامة لم تزل سَارِيَة فِي الْأمة، وَلم تكن تَحت التُّرَاب كَمَا يَقُول بعض الْكتاب.
1 / 491
أما جمَاعَة التَّكْفِير وَالْهجْرَة- فقد أورد شبههم الَّتِي استندوا عَلَيْهَا فِي تَكْفِير من سواهُم وناقشها، ورد عَلَيْهَا بِمَا أوردهُ الْعلمَاء فِي الرَّد عَلَيْهِم، وَفِي تعسفهم وتحريفهم للنصوص الَّتِي يستدلون بهَا، وَقد أَجَاد الباحث فِي ذَلِك من حَيْثُ الأسلوب وَالْعرض، وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال، والتحليل، ثمَّ ربط أَحْوَال النَّاس وواقعهم وأفكارهم المعاصرة بالأفكار الْقَدِيمَة كَمَا سبقت الإِشارة لذَلِك- وَهَذَا هُوَ الْمنْهَج السَّلِيم الْمُفِيد فِي دراسة الْفرق، لَا السرد التاريخي. وَقد انْتهى الْبَحْث عَن الْخَوَارِج وَمن سلك مسلكهم بنهاية ص ١٧٧
الْفَصْل الرَّابِع الشِّيعَة الإمامية الإثنا عشرِيَّة وأهم تعاليمهم ص ١٧٩ تحدث الباحث عَن هَذِه الْفرْقَة من الشِّيعَة. فعرفهم وَذكر تعاليمهم، وَأورد أَسمَاء أئمتهم- حسب دَعوَاهُم-. وَإِلَّا فَأُولَئِك من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وأولهم الإِمام عَليّ بن أبي طَالب ﵁ الْخَلِيفَة الراشد رَابِع الْخُلَفَاء الْمَشْهُود لَهُ بِالْجنَّةِ، وَالَّذِي تَبرأ من أفكار الشِّيعَة الرافضة الَّتِي نسبوها إِلَيْهِ، فِي الْإِمَامَة فقد أعلن أَن الرَّسُول ﷺ لم يوص إِلَيْهِ بِشَيْء فِي ذَلِك، وَفِي تفضيله على الشَّيْخَيْنِ فقد خطب وَقَالَ: من فَضله على أبي بكر وَعمر فسيحدّه حد المفتري، وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُثبت فِي مناقبه وفضائله. وَأما الْحسن ﵁، فخلافته من خلَافَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَقد أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله ﷺ وَأَنه سيد شباب أهل الْجنَّة، وَأَن الله سيصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين- لَكِن الشِّيعَة غاضهم ذَلِك الصُّلْح- فَقَالُوا لَهُ: يَا مسود وُجُوه الْمُؤمنِينَ، كَمَا فِي الْبِدَايَة لِابْنِ كثير. أما بَقِيَّة من جعلوهم أَئِمَّة إِلَى الثَّانِي عشر المختفي فِي السرداب الَّذِي لم
الْفَصْل الرَّابِع الشِّيعَة الإمامية الإثنا عشرِيَّة وأهم تعاليمهم ص ١٧٩ تحدث الباحث عَن هَذِه الْفرْقَة من الشِّيعَة. فعرفهم وَذكر تعاليمهم، وَأورد أَسمَاء أئمتهم- حسب دَعوَاهُم-. وَإِلَّا فَأُولَئِك من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وأولهم الإِمام عَليّ بن أبي طَالب ﵁ الْخَلِيفَة الراشد رَابِع الْخُلَفَاء الْمَشْهُود لَهُ بِالْجنَّةِ، وَالَّذِي تَبرأ من أفكار الشِّيعَة الرافضة الَّتِي نسبوها إِلَيْهِ، فِي الْإِمَامَة فقد أعلن أَن الرَّسُول ﷺ لم يوص إِلَيْهِ بِشَيْء فِي ذَلِك، وَفِي تفضيله على الشَّيْخَيْنِ فقد خطب وَقَالَ: من فَضله على أبي بكر وَعمر فسيحدّه حد المفتري، وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُثبت فِي مناقبه وفضائله. وَأما الْحسن ﵁، فخلافته من خلَافَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَقد أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله ﷺ وَأَنه سيد شباب أهل الْجنَّة، وَأَن الله سيصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين- لَكِن الشِّيعَة غاضهم ذَلِك الصُّلْح- فَقَالُوا لَهُ: يَا مسود وُجُوه الْمُؤمنِينَ، كَمَا فِي الْبِدَايَة لِابْنِ كثير. أما بَقِيَّة من جعلوهم أَئِمَّة إِلَى الثَّانِي عشر المختفي فِي السرداب الَّذِي لم
1 / 492
يخلقه الله فَلم يل أحد مِنْهُم أَمر الْمُسلمين، وَلَكنهُمْ أهل بَيت رَسُول الله ﷺ تجب محبتهم ... الخ.
وَكَانَ بودي لَو أنّ الباحث أَشَارَ إِلَى ذَلِك.
وَقد أَسَاءَ الشيعةُ إِلَى أهل الْبَيْت بِدَعْوَى حبهم وموالاتهم، لأَنهم اتَّخذُوا هَذِه الدَّعْوَى ستارا لهدم قَوَاعِد هَذَا الدّين، وَقد أثبت الباحث ذَلِك، كَمَا أورد الباحث الْكثير من عقائدهم الْبَاطِلَة وناقشها ورد عَلَيْهَا بِمَا هُوَ الْحق من أَقْوَال أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَمن كتب الشِّيعَة الإمامية أنفسهم الْقَدِيمَة والمعاصرة.
وَمن أهم عقائدهم الْبَاطِلَة الَّتِي أوردهَا الباحث ورد عَلَيْهَا مَا يَأْتِي:
أَولا: الْوَصِيَّة من رَسُول الله ﷺ لعَلي ﵁ بِالْإِمَامَةِ بعده مُبَاشرَة، وَأَن الصَّحَابَة خالفوا أَمر رَسُول ﷺ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّة فاغتصبوا حق عَليّ بن أبي طَالب ﵁.
وَقد أورد الباحث أدلتهم فِي النَّص على إِمَامَة عَليّ بن أبي طَالب بعد النَّبِي مُبَاشرَة، فَذكر الْآيَات الَّتِي استدلوا بهَا على ذَلِك.
ثمَّ ناقشها وردهَا بالأدلة الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة من أَقْوَال أهل السّنة، فَبين أَنه لَا دَلِيل لَهُم فِي الْآيَات الَّتِي أوردوها وَأَن الْأَحَادِيث الَّتِي أوردوها فِي النَّص مَوْضُوعَة- وَأما الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فَإِنَّهَا لَا تدل على الْمُدعى ص ١٩٢.
ثمَّ ربط بَين قَول وعقائد الشِّيعَة- الإمامية- السَّابِقين والمعاصرين فِي الْإِمَامَة ومنزلة الإِمَام.
فالإمامة ركن من أَرْكَان الدّين ومنصب إلهي كالنبوة ص ١٩٧.
وَقد ذكر من المعاصرين عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ الشيعي المعاصر- صَاحب كتاب أضواء على خطوط محب الدّين الْخَطِيب، نقل عَنهُ من ص ٩٨،٩٩.
وَآيَة الله الخميني من كِتَابه "الْحُكُومَة الإسلامية" ص ٥٢ وَنقل عَنهُ قَوْله: فَإِن للْإِمَام مقَاما مَحْمُودًا ودرجة سامية وَخِلَافَة تكونية تخضع لولايتها وسيطرتها
1 / 493
جَمِيع ذرات الْكَوْن ... الخ ص ١٩٩ ثمَّ ذكر فِي آخر هَذِه الصفحة وَالَّتِي تَلِيهَا عَن الخميني من الْحُكُومَة الإسلامية ص ١٤١- أَن عَليّ بن أبي طَالب ﵁ هُوَ الْحَاكِم الْمُهَيْمِن الشَّرْعِيّ على شؤون الْبِلَاد والعباد وَأَن الْمَلَائِكَة تخضع لَهُ ... الخ.
ثَانِيًا: الْعِصْمَة للأئمة- فَلَا يجوز عَلَيْهِم الْمعْصِيَة وَلَا الْخَطَأ وَلَا النسْيَان ص ٢٠٣.
وَقد رد على الشِّيعَة هَذِه الدَّعْوَى وَبَين وجهة رده وَهِي وجهة سليمَة، كَمَا فِي ص ٢٠٥.
ثَالِثا: الرّجْعَة قَالَ: فقد نَادَى الشِّيعَة برجعة الْأَئِمَّة وَأَرَادُوا بذلك أَن يعود الإِمَام إِلَى الظُّهُور بعد الْغَيْبَة أَو الاختفاء أَو إِلَى الْحَيَاة بعد الْمَوْت.
وَبَين أَن أصُول هَذِه الدَّعْوَى يَهُودِيَّة ... الخ ص ٢٠٧.
ثمَّ ذكر من يحاول تَفْسِير هَذِه الرّجْعَة من الشِّيعَة المعاصرين برجعة الدولة وَالْأَمر وَالنَّهْي، وَنفى أنَّ الرجّعة بِالْمَفْهُومِ الأول لَيست من معتقدات الإمامية ... الخ ص ٢٠٩.
ثمَّ رد على هَذَا الْمَفْهُوم أَو الدَّعْوَى- بِأَن الشِّيعَة جَمِيعًا لَا يَشكونَ فِي عودة الإِمَام المنتظر أَو الإِمَام الْغَائِب الَّذِي يُحَقّق دولة الْإِسْلَام، ثمَّ ذكر اتهامهم ودعواهم أَن النَّبِي ﷺ لم يُحَقّق دولة الْإِسْلَام فِي صورتهَا الْكَامِلَة ... الخ ص ٢١٠.
ثمَّ قَالَ: ولَايَة الْفَقِيه:
وَذكر عقيدة الشِّيعَة أَن قيام الدولة لَا تكون إِلَّا مَعَ الإِمَام الْمَعْصُوم وعَلى يَدَيْهِ، قَالَ: وَمن ثمَّ عطل هَؤُلَاءِ إِلَى عهد قريب صَلَاة الْجُمُعَة، بل حرم بَعضهم أداءها حَتَّى يخرج الإِمَام المنتظر ...
وَأَن فريقا مِنْهُم يرَوْنَ أَن ولَايَة الْفَقِيه بِمَعْنى أَن الْفَقِيه الشيعي لَهُ الْولَايَة
1 / 494
الْعَامَّة ... إِلَى أَن قَالَ: وَقد تبلورت هَذِه الآراء عِنْد الشِّيعَة المعاصرين فِيمَا يعرف بنظرية ولَايَة الْفَقِيه الَّتِي أضفى عَلَيْهَا آيَة الله الخميني بعدا سياسيًا وَأخرج بهَا الْمَذْهَب الشيعي من طور الجمود السياسي المتمثل فِي انْتِظَار عودة الإِمَام الْغَائِب ليقيم دولة الْإِسْلَام- إِلَى القَوْل بِوُجُوب سعي الْفُقَهَاء إِلَى إِقَامَة دولة يحكمها الْإِسْلَام ... الخ ص ٢١١- ٢١٦- الْمرجع الْحُكُومَة الإسلامية.
رَابِعا: التقية:- وَهِي النِّفَاق عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة- وَتِسْعَة أعشار الدّين عِنْد الشِّيعَة الإمامية، بل نقلوا نصوصا نسبوها إِلَى من يدعونَ أَنهم أئمتهم، وَقد نقلهَا الباحث ص ٢١٧، مِنْهَا قَوْلهم نِسْبَة لجَعْفَر الصَّادِق: التقية ديني وَدين آبَائِي. "وَمن لَا تقية لَهُ لَا دين لَهُ " "وَأَنَّهَا تِسْعَة أعشار الدّين" - هَذِه الرِّوَايَات فِي الْكَافِي وعقائد الصدوق- الْهَامِش ١ لنَفس الصفحة ٢١٧.
تمّ ذكر الباحث- أَن الشِّيعَة تعد التقية مبدأ أساسيا فِي حياتهم الْخَاصَّة والعامة وجعلوها ركنا من أَرْكَان مَذْهَبهم ثمَّ بَين أَنه كَانَ للتقية شَأْن خطير فِي كل أَحْدَاث الشِّيعَة التاريخية ... الخ ص ٢١٧- ٢١٨.
هَذَا بعض كَلَام الباحث عَن التقية وَقد ذكر أَمْثِلَة لاستعمال الشِّيعَة واستخدامهم للتقية.
إِلَّا أَن الباحث يظْهر أَنه لم يطلع على الْكتاب الْخَاص بالتقية من تأليف الخميني وَلِهَذَا اكْتفى بإشارته فِي الْحُكُومَة الإسلامية ص ١٤٢ كَمَا فِي هَامِش ص ٢١٨- إِلَى كَيْفيَّة اسْتِعْمَال التقية عِنْد الخميني فِي الْحُكُومَة الإسلامية، فَظن أَن التقية أَصبَحت غير ذَات أهمية عِنْد الشِّيعَة، وَلِهَذَا حينما جَاءَ الباحث إِلَى إبداء وجهة نظره فِي التَّقْرِيب وَقع مِنْهُ ذَلِك الْخَطَأ الَّذِي سَيَأْتِي مناقشته بعد قَلِيل.
خَامِسًا: عقيدة الْمهْدي- وَقد صرح الخميني فِي كِتَابه الْحُكُومَة الإسلامية بِتِلْكَ العقيدة ودعى لَهُ بتعجيل الْفرج.
وَقد نقل الباحث فِي ص ٢١٦ الْمَادَّة الْخَامِسَة من دستور الجمهورية
1 / 495
الإسلامية الإيرانية وَفِيه- تكون ولَايَة الْأَمر فِي غيبَة الإِمَام الْمهْدي "عجل الله فرجه " فِي جمهورية إيران الإِسلامية للفقيه الْعَادِل ... الخ وَلَكِن الباحث يَقُول هَذِه المشكلة انْتَهَت، والعقلاء يَقُولُونَ ليتها لم تَنْتَهِ.
وَفِي ص ٢٢٦ قَالَ: موقف الأمامية الإِثني عشرِيَّة من الْقُرْآن وَالسّنة وَالصَّحَابَة.
سادسًا: الشِّيعَة وَالْقُرْآن:
قَالَ: أما الْقُرْآن فقد زعم بعض الشِّيعَة أَنه قد حرف وأسقطت مِنْهُ بعض السور ... الخ.
قَالَ: وَقد ردد هَذِه الافتراءات على الْقُرْآن العديد من عُلَمَاء الشِّيعَة الإمامية، وعَلى رَأْسهمْ حجتهم الْمَشْهُور أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن يَعْقُوب الكليني ... الخ.
إِلَى أَن قَالَ: وَقد زعم الكليني أَنه لم يجمع الْقُرْآن كُله إِلَّا الْأَئِمَّة ... ص ٢٢٧ الْمرجع الهوامش فِي نفس الصفحة وَقد ذكر فِي ص ٢٢٨- ٢٢٩ أَمْثِلَة لدعواهم الْبَاطِلَة. وَفِي ص ٢٣٠ ذكر كتاب "فصل الْخطاب فِي إِثْبَات تَحْرِيف كتاب رب الأرباب " لحسين بن مُحَمَّد تَقِيّ النوري الطبرسي الْمُتَوفَّى سنة ١٣٢٠ هـ الَّذِي أثبت فِيهِ- أَن كل الشِّيعَة الإمامية مجمعون على تَحْرِيف الْقُرْآن- حَتَّى المشائخ الْأَرْبَعَة الْمَنْسُوب إِلَيْهِم الْخلاف للشيعة- حَيْثُ أثبت أَنهم يَقُولُونَ ذك- بِدَلِيل أَنهم رووا الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا التحريف فِي كتبهمْ وَلم ينقدوها.
وَقد نقل الباحث ذَلِك فِي ص ٢٣١.
وَمَعَ نَقله هَذَا فَسَيَأْتِي قَول الباحث ص ٢٤٣ سطر ١٥- أَنه وجد شبه إِجْمَاع لَدَى الشِّيعَة على نفي أَي تَحْرِيف بِزِيَادَة أَو نقص عَن الْقُرْآن.
هَكَذَا يَقُول- وَالْعَكْس هُوَ الصَّحِيح، وَنَقله هَذَا يثبت ذَلِك.
1 / 496
سابعًا: الشِّيعَة وَالصَّحَابَة: ص ٢٣٥
وَقد نقل الباحث عَن الشِّيعَة طعنهم فِي الصَّحَابَة وتجريحهم لَهُم من كتبهمْ الأصيلة مثل الْكَافِي للكليني. وَرِجَال الْكشِّي. والاحتجاج للطبرسي، وَغَيرهَا من المراجع الأساسية عِنْد الشِّيعَة الإمامية.
ثمَّ بَين أَن هَذِه العقائد السَّابِقَة- لازالت بِعَينهَا يُرَدِّدهَا الشِّيعَة المعاصرون ثمَّ مثّل:
بِعَبْد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ- صَاحب كتاب "أضواء على خطوط محب الدّين الْخَطِيب" ص ١٠٢-١٠٣ هَامِش ٣ من ص ٢٣٥- نقل مِنْهُ اتهام الصَّحَابَة بِأَنَّهُم تَآمَرُوا على إبعاد عَليّ ﵁ عَن الْخلَافَة، بل تَآمَرُوا على قَتله والتخلص مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ حَاربُوا فَاطِمَة بنت رَسُول الله ﷺ وكادوا يحرقون عَلَيْهَا منزلهَا ... الخ.
ثمَّ أضَاف الباحث فِي ص ٢٣٦ وَهُوَ كَلَام جيد فَبَدَأَ من السطر الْعَاشِر فَقَالَ: وَمِمَّا يؤسف لَهُ أَن بعض الشِّيعَة المعاصرين لَا زَالُوا يرددون مثل هَذِه التهم الْبَاطِلَة ضد الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم ويصفونهم بأقذع الْأَوْصَاف ويتهمونهم بأبشع التهم، فهم فِي نظرهم طلاب دنيا قبلوا الْإِسْلَام ظَاهرا طَمَعا فِي الحكم والسلطة وأضمروا الْكفْر والنفاق والزندقة ... الخ.
وَأثبت الباحث الْمرجع فِي نفس الصفحة هَامِش ٢ كشف الْأَسْرَار للخميني ص ١٣٠-١٣١.
وَقد رد الباحث كَمَا فِي ص ٢٣٧- ٢٣٩ على هَذَا الْكَاتِب وَأَمْثَاله، بِمَا كَانَ للصحابة من دور فعال فِي نصْرَة هَذَا الدّين وَنشر تعاليمه وَأَنَّهُمْ يمثلون جيلًا، فريدا صاغته تعاليم الْقُرْآن ... الخ.
حَيْثُ نقل ذَلِك عَن أبي الْحسن الندوي- من كِتَابه- "صُورَتَانِ متضادتان " عِنْد أهل السّنة والشيعة الإمامية ... الخ.
1 / 497
ثامنًا: الشِّيعَة وَالسّنة: ص ٢٤٠.
قَالَ الباحث: قد كَانَ لنظرة الشِّيعَة ورأيهم فِي الصَّحَابَة أثر كَبِير فِي موقفهم من السّنة النَّبَوِيَّة، إِذْ أنكر الشِّيعَة كل الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت عَن طَرِيق هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة، بل أَنهم شنوا هجوما عنيفا على رُوَاة الحَدِيث كَأبي هُرَيْرَة وَسمرَة بن جُنْدُب، وَعُرْوَة بن الزبير، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، والمغيرة بن شُعْبَة، وَغَيرهم- واتهموهم بِالْوَضْعِ والتزوير وَالْكذب.
نقل الباحث هَذَا النَّص عَن الشِّيعَة الإمامية المعاصرين فِي هَامِش ص ٢٤٠ فَذكر:
١- أضواء على خطوط محب الدّين الْخَطِيب- لعبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ ص ٤٨، ٦٥، ٦٨، ٩٠.
٢- الْحُكُومَة الإسلامية للخميني ص ٦٠.
٣- الشَّهَادَة "عَليّ شريعتي " قَالَ: وَهَذَا الْكَاتِب الْأَخير يتهم الصَّحَابِيّ أَبَا هُرَيْرَة بِأَنَّهُ وَأَمْثَاله سلكوا طَرِيق ابتداع الْأَحَادِيث واختلاق الْمُتُون لتدعيم حكم مُعَاوِيَة.
٤- الشِّيعَة فِي الْمِيزَان "مغنية" ص ٨١ وَهُوَ معاصر أَيْضا.
هَذَا مَا سطره الباحث فِي كِتَابه هَذَا من كتب الشِّيعَة الإمامية القدامى والمعاصرين وَهُوَ بحث جيد سلك فِيهِ الباحث الْمنْهَج العلمي، فقد وثق النُّصُوص الَّتِي نقلهَا من كتبهمْ الأساسية والمعاصرة مُشِيرا إِلَى الْجُزْء والصفحة بأسلوب جيد وَعرض حسن، كَمَا ناقش هَذِه الأفكار المنحرفة الَّتِي قصد أَصْحَابهَا من وَرَائِهَا هدم دين الْإِسْلَام من أساسه حَيْثُ طعنوا فِي مصدريه، الْقُرْآن وَالسّنة، واتهموا من نَقله إِلَيْنَا من الصَّحَابَة الْكِرَام الَّذين اخْتَارَهُمْ الله لصحبة نبيه، بالْكفْر والنفاق والزندقة، وَفد أَسْلمُوا ظَاهرا وأبطنوا النِّفَاق من أجل الْوُصُول إِلَى السلطة وَالْحكم... الخ.
هَذَا مَا نَقله الباحث عَن الخميني.
1 / 498
" رَأْي الْمُؤلف "
مُهِمّ جدا- وَلَكِن مَا رَأْي الباحث بعد أَن سطر هَذِه الْحَقَائِق كلهَا.
١- فِي ثورة الخميني وَإِقَامَة الدولة الإسلامية- الشيعية الإمامية.
٢- وَفِي دَعوَاهُم تَحْرِيف الْقُرْآن ... الخ.
٣- وَفِي الصَّحَابَة الْكِرَام.
٤- وَفِي السّنة النَّبَوِيَّة.
أَقُول إِن الباحث قد أبدى رَأْيه وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ من ص ٢٤٢- ٢٤٤.
فَقَالَ فِي السطر الرَّابِع ص ٢٤٢ من أَسْفَل: وَهُوَ زِيَادَة لم تُوجد فِي الطبعة الأولى حَيْثُ انْتهى الْكَلَام عَن الصَّحَابَة وَالسّنة ص ١٧٩ تمّ فِي ص ١٨٠ بَدْء الْفَصْل الْخَامِس، أما هَذِه الطبعة فقد زَاد فِيهَا من قَوْله:
من هَذَا الْعرض لأراء الشِّيعَة ومعتقداتهم يتَبَيَّن لنا مَا يَأْتِي، وَهُوَ من ص ٢٤٢-٢٤٤:
قَالَ: أَولا - أَن الْقَضِيَّة الأساسية الَّتِي يَدُور حولهَا فكر الشِّيعَة ومعتقداتهم هِيَ قَضِيَّة الْإِمَامَة الَّتِي انبثقت مِنْهَا كل تصوراتهم عَن الإِمَام وآرائهم حول:
الْقُرْآن- وَالسّنة- وَالصَّحَابَة.
وَكَانَ لَهَا انعكاس وَأثر فِي مُخْتَلف مناحي فكرهم، وَتعْتَبر من ثمَّ نقطة الْخلاف الأساسية بَينهم وَبَين أهل السّنة.
ثَانِيًا: إننا نجد دَاخل الحركات الشيعية تباينًا فِي الآراء واختلافا فِي وجهات النّظر، حول كثير من الْمسَائِل الْأُصُولِيَّة لاسيما فِيمَا يتَعَلَّق بتصورهم للْإِمَام ووظيفته وَالْقَوْل بعصمته ورجعته واستخدام التقية وَالْقُرْآن وَولَايَة الْفَقِيه ومشروعيتها..
تمّ بَدْء فِي التَّدْلِيس بِكَلَام ينْقضه قَوْله السَّابِق وَنَقله لثباتِ المعاصرين
1 / 499
على مَا سطره أسلافهم. ثمَّ استعمالهم جَمِيعًا للتقية كَدين لأَنهم يَقُولُونَ: من لَا تقية لَهُ لَا دين لَهُ، كَمَا نقل هُوَ ذَلِك وَسبق ذكره.
ثمَّ يَقُول: ويبدو أَنه كَانَ للظروف التاريخية الَّتِي حدثت فِيهَا مواجهات بَين الشِّيعَة وخصومهم، وللأجواء الْعَامَّة الَّتِي نما فِيهَا التَّشَيُّع الْأَثر الْكَبِير فِي صياغة معتقدات الشِّيعَة بِصُورَة حادة متطرفة أَحْيَانًا!! بَيْنَمَا نجد ميلًا إِلَى التفكير، واعتدالا فِي الرَّأْي فِي الظروف الَّتِي تخف فِيهَا حِدة الصراع.
نم رتب على هَذِه الدَّعْوَى الْعَارِية من الدَّلِيل مَا يَأْتِي:
قَالَ: وَقد اسْتَطَاعَ بعض الشِّيعَة المعاصرين وَإِلَى حد مَا، تجَاوز الإطار التاريخي الَّذِي نمت فِيهِ كثير من أفكار أسلافهم ومعتقداتهم الجانحة وبدءوا مناقشة قضايا الْمَذْهَب بِصُورَة نقدية معتدلة وتوصل بَعضهم كَمَا سبق أَن رَأينَا إِلَى أَن قَضِيَّة عصمَة الْأَئِمَّة، وَالرَّجْعَة، والتقية، لم تعد مَقْبُولَة ... الخ.
وَأَقُول: إِن هَذَا الْبَعْض يقْصد بِهِ الخميني- وَسبق أَن نقلت مَا ذكره الباحث عَن الخميني فِي اتهامه- الصَّحَابَة بالْكفْر والنفاق والزندقة، وَإِنَّهُم إِنَّمَا أَسْلمُوا نفَاقًا فِي سَبِيل تَحْقِيق أغراضهم الدُّنْيَوِيَّة طَمَعا فِي السلطة وَالْحكم ... الخ ص ٢٣٦.
ونوجه السُّؤَال التَّالِي للمؤلف ونقول لَهُ:
مَا هِيَ الظروف الَّتِي واجهت الخميني المعاصر- حَتَّى يحكم على الصَّحَابَة الْكِرَام بِهَذَا الحكم الْبَاطِل الْفَاسِد الظَّالِم؟
كَمَا نقل الباحث- عَن عبد الْوَاحِد الْأنْصَارِيّ من كِتَابه "أضواء على خطوط محب الدّين الْخَطِيب " وَعَن "الخميني " وَعَن "شريعتي" وَعَن "مغنية" فِي ص ٢٤٠، تكفيرهم واتهامهم عددا من الصَّحَابَة بِأَسْمَائِهِمْ بِالْوَضْعِ والتزوير وَالْكذب.
فَمَا هِيَ الظروف الَّتِي واجهت هَؤُلَاءِ المعاصرين ليصدروا هَذَا الحكم
1 / 500
الظَّالِم على الصَّحَابَة الْكِرَام الَّذين كنت قبل قَلِيل تدافع عَنْهُم وَتقول: إِن الإمامية شنوا عَلَيْهِم هجوما عنيفا فكفروهم واتهموهم بالزندقة.
فَمَاذَا أَصَابَك بعد ذَلِك الحماس للحق؟.
ثمَّ يواصل الباحث رَأْيه حول عقائد الإمامية لتبرأتهم أَو رجوعهم فَيَقُول فِي نفس الصفحة ٢٤٣ سطر ١٥كَمَا وجدنَا شبه إِجْمَاع لَدَى الشِّيعَة على نفي أَي تَحْرِيف بِزِيَادَة أَو نقص عَن الْقُرْآن.
وَأَقُول إِن كَلَامه هَذَا بَاطِل بِمَا نَقله هُوَ نَفسه من ص ٢٢٦- ٢٣٩ عَن القدامى والمعاصرين ووضح ذَلِك بِمَا جَاءَ فِي كتاب حُسَيْن بن مُحَمَّد تَقِيّ النوري الطبرسي الْمُتَوفَّى سنة ١٣٢٠ هـ فِي كِتَابَة الَّذِي سَمَّاهُ "فصل الْخطاب فِي إِثْبَات تَحْرِيف كتاب رب الأرباب" وَقد رد فِيهِ على الْأَرْبَعَة الَّذين نسب إِلَيْهِم القَوْل بِعَدَمِ تَحْرِيف الْقُرْآن كَمَا فِي ص ٢٣٠- ٢٣١ وَنقل الباحث رده عَلَيْهِم.
ثمَّ النّص الَّذِي نَقله عَن الخميني فِي تكفيره للصحابة وَالَّذِي سبق نَقله فِي الصفحات السَّابِقَة.
قَالَ الخميني عَن الصَّحَابَة: أضمروا الْكفْر والنفاق والزندقة واستهانوا بِالْقُرْآنِ فحرفوه.. الخ انْظُر النَّص ص ٢٣٦.
إِذا أَيْن شبه الْإِجْمَاع عِنْد الشِّيعَة على نفي تَحْرِيف الْقُرْآن- بل الْإِجْمَاع عِنْدهم على تحريفه كَمَا أثبت النوري الطبرسي. وكما يَقُول الخميني.
وَقبل شَهْرَيْن قُدمت رِسَالَة فِي الجامعة- عَن موقف الشِّيعَة الإمامية من الْقرَان- أثبت الباحث بالتسلسل التاريخي إِلَى الْعَصْر الْحَاضِر عَن الإمامية أَنهم يَقُولُونَ بتحريف الْقُرْآن وَمِنْهُم الخميني، وَكنت أحد أَعْضَاء لجنة المناقشة وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن قَول الباحث هَذَا سَاقِط لَا وزن لَهُ، بل هُوَ غش لهَذِهِ المؤسسة الَّتِي خدعها بطبعة كِتَابه الأولى، فَلَمَّا اطمأنت إِلَيْهِ أَدخل هَذِه الأفكار الدخيلة على أهل السّنة فِي الطبعة الثَّانِيَة.
1 / 501
ويواصل الباحث فِي التَّصْرِيح بِرَأْيهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة رَأْي الخميني ودعاته فِي الْوَقْت الْحَاضِر.
فَيَقُول فِي ص ٢٤٣:
كَمَا يَسُود الْآن فِي أوساطهم- أَي- الإمامية- القَوْل بضرورة قيام الدولة الإسلامية الَّتِي يتَوَلَّى أمرهَا فُقَهَاء الْمَذْهَب وعلماؤه نِيَابَة عَن الإِمام.
ثمَّ يَقُول: وَلَا شكّ أَن هَذِه خطوَات جَيِّدَة فِي الطَّرِيق إِلَى مدّ الجسور بَين السّنة والشيعة، سعيًا إِلَى وحدة الْأمة الإسلامية الَّتِي هِيَ أَشد مَا تكون حَاجَة إِلَى تِلْكَ الْوحدَة ... الخ.
وَأَقُول: بل هَذِه هِيَ الْفِتْنَة الْكُبْرَى الَّتِي توصل إِلَيْهَا الخميني، وَكَانَ أهل السّنة فِي رَاحَة قبل ذَلِك، بل فِيهَا قطع الجسور لَا مدها، وَأَن مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الباحث من تقريب، هُوَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الخميني باسم الثورة الإسلامية ثمَّ تصديرها إِلَى أَبنَاء السّنة فِي الْعَالم الإِسلامي فِي أفريقيا وآسيا، تَحت شعار كلمة الْمُسلمين ضد المستعمرين وأعداء الْمُسلمين وإنقاذ الْمُسْتَضْعَفِينَ، والهدف هُوَ نشر عقيدة الشِّيعَة الإمامية وتعاليمها باسم الْإِسْلَام وَهَذَا هُوَ الْوَاقِع الْمَوْجُود الْآن.
وَهَذِه الدَّعْوَى تسير تَحت ستار "التقية" الَّتِي هِيَ ركن الدّين بل أساسه عِنْد الشِّيعَة الإمامية- كَمَا ذكر الباحث ذَلِك.
وَقد اسْتعْمل الْمُؤلف "التقية" فِي الطبعة الأولى، وَأَقُول.
قد قَامَت الدولة الَّتِي يتحدث عَنْهَا الباحث- فَهَل تحققت وحدة الْأمة ضد أعدائها كَمَا يَقُول، أَو قَامَت الْفِتَن وَسَفك دِمَاء الأبرياء- لِأَن أَبنَاء الْمُسلمين لَا يعْرفُونَ عقائد الرافضة.
وَإِذا كَانَ الباحث ينْقل كَلَام الخميني- الذيَ فِيهِ- حكمه على الصَّحَابَة بالْكفْر والنفاق والزندقة وَأَنَّهُمْ حرفوا الْقُرْآن، وكتموا السّنة (فضلا انْظُر
1 / 502
ص ٢٣٦) قَول الباحث: وَمِمَّا يؤسف لَهُ ... الخ، هَل الَّذِي يُصَرح بِهَذَا يعْتَقد أَن أهل السّنة المعاصرين مُسلمين وَهُوَ يُرِيد أَن يوحد كلمتهم، وعَلى أَي شَيْء هَل: على احترام الصَّحَابَة الْكِرَام وَحفظ حُقُوقهم، ثمَّ الْأَخْذ برواياتهم الْمَوْجُودَة فِي صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ وَمُسلم وَجَمِيع الْأُمَّهَات، وَكتب التَّفْسِير لِابْنِ جرير وَابْن كثير وَغَيرهمَا من عُلَمَاء أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.
اعْتقد أَنه لَا يُوجد عَالم من عُلَمَاء أهل السّنة يعْتَقد ذَلِك، اللَّهُمَّ إِلَّا دَعَاهُ التَّقْرِيب، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة التنازل عَن الْحق إِلَى الْبَاطِل، وَيظْهر مِمَّا سطره الْمُؤلف بقلمه أَنه مِنْهُم، وَلنَا الحكم بِالظَّاهِرِ من كَلَامه.
وَلَكِن نواصل مَعَ الباحث لنرى رَأْيه فِي موقف الرافضة الإمامية- من الصَّحَابَة، وَالسّنة. لِأَنَّهُ يرى أَنه إِذا قَامَت الدولة الإسلامية عِنْد الشِّيعَة بقيادة الْفُقَهَاء، نِيَابَة عَن الإِمَام الْغَائِب، فقد انْحَلَّت المشكلة الْكُبْرَى، وَلم يبْق إِلَّا قضايا معلقَة يُمكن حلهَا، وَقد قدم الباحث الْحل، فَمَا هَذَا الْحل الَّذِي قدمه؟
يَقُول الباحث ص ٢٤٣ المقطع الْأَخير:
وَتبقى بعد ذَلِك بعض الْمسَائِل الْمُعَلقَة- كَمَسْأَلَة غيبَة الإِمَام والاعتقاد برجعيته، وموقف الشِّيعَة من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم، وَمن سنة رَسُول الله ﷺ.
قَالَ: أما غيبَة الإِمَام والاعتقاد برجعته فَإِنَّهَا لم تعد ترتبط فِي الْفِكر الشيعي المعاصر بواقع الْمُجْتَمع وأحوال الْمُسلمين فِيهِ كَمَا كَانَ يتَصَوَّر من قبل، إِذْ أَن "ولَايَة الْفَقِيه " أَصبَحت تمثل البديل العملي للرجعة، وَإِذا كَانَ وُلَاة الْأَمر من الْفُقَهَاء يمكَنهم إِقَامَة أَمر الدّين ... الخ.
فَإِن قَضِيَّة الْحَاجة إِلَى إِمَام وضرورة رجعته تصبح نظرية ... الخ ص ٢٤٤.
فَكَأَنَّهُ يرى- أَن أهل السّنة فِي ضيق وَشدَّة من اعْتِقَاد الإمامية- من أَنه لَا يجوز إِقَامَة جُمُعَة وَلَا جِهَاد وَلَا دولة إِلَّا بِحُضُور الإِمَام الْمَعْصُوم.
1 / 503
وَأَن نظرية الخميني بِولَايَة الْفَقِيه الْعَادِل- وَقيام دولته- حلت هَذِه المشكلة عَن أهل السّنة.
أَقُول: أَلا يعلم الباحث- أَن أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَالْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين- كَانُوا فِي رَاحَة نسبيًّا حِين كَانَ الشِّيعَة الإمامية على تِلْكَ العقيدة.
وَأَقُول نسبيا- لِأَن الإمامية الرافضة يتربصون بِأَهْل السّنة دَائِما- فَمَاذَا فعل ابْن العلقمي وَزِير الْخَلِيفَة العباسي- وَابْن العلقمي رَافِضِي- فقد دعى هولاكو وَكَانَت على يَده إِزَالَة الْخلَافَة العباسية، فَمَاذَا صنع فِي بَغْدَاد، فَلَو رَجَعَ الباحث للبداية وَالنِّهَايَة لعرف أَن المفكرين من الرافضة وَمِنْهُم فِي الْعَصْر الْحَاضِر- الخميني- يدركون أَن غيبَة الإِمَام خرافة وَلَكنهُمْ يستغلون عوام الشِّيعَة بهَا ويربطونهم دينيا باعتقادها ليسهل قيادتهم وَلِهَذَا صرح الخميني فِي الْحُكُومَة الإسلامية وَنقل عَنهُ الباحث، أَنه لَا يُمكن الِانْتِظَار إِلَى وَقت لَا يعلم فِيهِ خُرُوج الإِمَام ويضيع الْإِسْلَام، كَمَا يَقُول هَذِه الْقُرُون الطَّوِيلَة- فَخرج بنظرية نِيَابَة الْفَقِيه الْعَادِل عَن الإِمام الْغَائِب- وَيَدْعُو الله لَهُ بالفرج أَو تَعْجِيل الْفرج، ليخدع عوام الشِّيعَة بذلك.
فَأَنا كنت فِي أثْنَاء المناقشة لهَذَا الْبَحْث متحيرا فِي أَمر الباحث- هَل هَذِه الأفكار الَّتِي يَدْعُو لَهَا عَن غَفلَة وسطحية وَسُوء فهم، وَهِي بعيدَة فِي نَظَرِي عَمَّن يكْتب مثل هَذَا الْبَحْث؛ أَو أَنَّهَا- التقية الرافضية- وَقد ترجح لَدَى الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَن الرجل أصبح وَأمسى كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا، فنعوذ بالله من الْحور بعد الكور، وَمن الظلمَة بعد النُّور.
وَلَكِن لنَنْظُر رَأْيه فِي الصَّحَابَة وَتَقْدِيم الْحل لذَلِك الِاعْتِقَاد:
يَقُول أما رَأْي الشِّيعَة فِي الصَّحَابَة فمسألة مرتبطة فِي أساسها بِالْخِلَافِ التاريخي حول الإِمامة، وَإِذا أمكن الِاتِّفَاق على تجَاوز هَذَا التأريخ، وَالْحكم على من شاركوا فِي أحداثه، مَعَ تَأْكِيد دور الصَّحَابَة الْهَام وأمانتهم وعدالتهم فِي نقل هَذَا الدّين- والاهتمام بَدَلا من ذَلِك بالقضايا المعاصرة ومواجهة
1 / 504
أعدائهم، قَالَ: فَيمكن إِسْقَاط هَذِه الْقَضِيَّة من دَائِرَة الْخلاف. هَكَذَا يَقُول الباحث وَبِكُل بساطة.
وَأَقُول إِن مَا نَقله عَن الخميني المعاصر وَغَيره، يَكْفِي لدحض دَعْوَى الباحث أَن أساس الْخلاف تأريخي حول الْإِمَامَة.
لِأَن الخميني معاصر وَلم يسْقط عقيدته فِي أَن الصَّحَابَة كفار ومنافقون وزنادقة، حرفوا الْقُرْآن وكتموا السّنة.
وَهُوَ مَا نَقله الباحث، وَقد كررت الْإِشَارَة إِلَيْهِ- لِأَن هَذَا القَوْل من الباحث لَا يدع مجالا للشَّكّ أَنه دَاعِيَة إمامي لتصريحه بِهَذَا القَوْل فِي كِتَابه، وَلَا يَسْتَطِيع التفلت من هَذَا، لِأَن التقية الَّتِي استعملها فِي الطبعة الأولى قد انْكَشَفَ القناع عَنْهَا هُنَا كَمَا قيل:
وَمهما تكن عِنْد امْرِئ من سجية
وَأَن خالها تخفى على النَّاس تعلم
وَمِمَّا يُؤَكد ذَلِك مَا قدمه من تَوْطِئَة للْحكم على قَوْلهم ورأيهم فِي السّنة، فَهُوَ يَقُول فِي ص ٢٤٤ السطر التَّاسِع:
أما السّنة فَإِنَّهُ مِمَّا هُوَ مَعْلُوم أَنه دَخلهَا كثير من الْوَضع ودُسَّتْ فِيهَا كثير من الْأَقْوَال المنسوبة إِلَى رَسُول الله ﷺ وَيَعْنِي بذلك- السّنة عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، حَيْثُ قَالَ: وَقد قَامَ عُلَمَاء الْمُسلمين بِجهْد كَبِير فِي سَبِيل تنقية الصَّحِيح من الْمَوْضُوع.
تمّ يَأْتِي لكتب الشِّيعَة فَيَقُول:
وبالنسبة لكتب الشِّيعَة الَّتِي أَشَرنَا إِلَى بعض مِنْهَا، فَإِن الشِّيعَة يعترفون- أَو على الْأَقَل بعض مِنْهُم- بِأَن فِي تِلْكَ الْكتب بعض الرِّوَايَات الْمَوْضُوعَة! كَمَا أَنهم أنفسهم جرحوا بعض رواتهم، وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك، فَيمكن أَن يقوم الشِّيعَة المعاصرون بِعَمَل جريء فِي هَذَا الْمَوْضُوع يطبقون فِيهِ مَنْهَج عُلَمَاء الحَدِيث ... الخ الهراء.
1 / 505
وَأَقُول: أَولا مهد الباحث بِأَن فِي كتب أهل السّنة أَحَادِيث مَوْضُوعَة وكثيرة. وَقد قَامَ أهل السّنة بِمَا يجب عَلَيْهِم حيالها. وَالْحَمْد لله.
ثمَّ يَقُول: أما كتب الشِّيعَة فَفِيهَا بعض الرِّوَايَات الْمَوْضُوعَة! فَهُوَ يعبر عَنْهَا باستحياء فيعبر بِكَلِمَة تمّ يَقُول:
وَالَّذِي يعْتَرف بذلك الْوَضع على الْأَقَل بعض مِنْهُم.
قلت: وَلِأَنَّهُم لَا يرضون بِهَذِهِ الدَّعْوَى وهم يدعونَ عصمَة من نسبوا إِلَيْهِم تِلْكَ الرِّوَايَات، وَهَذَا الْأَقَل يَقُول ذَلِك "تقية" وَهِي دين فَلَا حرج عَلَيْهِ.
ثمَّ يَقُول: إِذا قَامَ الشِّيعَة المعاصرون بِنَقْد تِلْكَ الرِّوَايَات انْتهى الْأَمر، قَالَ: وَيُمكن بذلك مد الجسور وَوصل الهوة بَين السّنة والشيعة وَالَّتِي لَا يُفِيد مِنْهَا إِلَّا أَعدَاء الْإِسْلَام.
أَقُول كلمة قَصِيرَة: إِن قَوْله إِن فِي كتب الشِّيعَة بعض الرِّوَايَات الْمَوْضُوعَة يُخَالف مَا أثْبته هُوَ بِنَفسِهِ فِي ص ٢٤٠ بعد أَن نقل عَن الشِّيعَة المعاصرين طعنهم فِي الصَّحَابَة واتهامهم لَهُم بالتزوير وَالْكذب والوضع.
قَالَ فِي سطر ٤: وَلم يقبل الشِّيعَة من ثمَّ إلاّ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة عَن طَرِيق الْأَئِمَّة من أهل الْبَيْت أَو مِمَّن نسبوهم إِلَى التَّشَيُّع كسلمان الْفَارِسِي وعمار بن يَاسر، ثمَّ قَالَ: وَيَقُول فِي ذَلِك أحد الشِّيعَة المعاصرين: إِن كل من قَرَأَ كتب الشِّيعَة الإمامية الإثني عشرِيَّة ومؤلفاتهم فِي مُخْتَلف الْعُلُوم الإسلامية، كالحديث وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير، وجد نقولها تكَاد تَنْحَصِر عَن النَّبِي ﷺ عَن الإِمَام عَليّ ﵇، عَن شيعَة الإِمَام الْأَرْبَعَة ... وَعَن الْأَئِمَّة المعصومين، وَذكر الحَدِيث الْمَوْضُوع، وَهُوَ قَول عَليّ ﵁: علّمني رَسُول الله ألف بَاب ... الخ ونتيجة لهَذَا لم يهتموا بِالْإِسْنَادِ.
قَالَ: وَمن ثمَّ رفض الشِّيعَة صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم وَكتب السّنة ... إِلَى أَن قَالَ: قَالَ أَبُو زهرَة عَن الْكَافِي. إِن مَا فِيهِ أَخْبَار تَنْتَهِي عِنْد الْأَئِمَّة وَلَا يَصح أَن نقُول أَنه يذكر سندا مُتَّصِلا بِالنَّبِيِّ ... الخ.
1 / 506