A Commentary on Jami` at-Tirmidhi - Al-Rajhi
شرح جامع الترمذي - الراجحي
اصناف
حد علم الحديث وموضوعه وغايته
هذه المقدمة من المباركفوري شارح سنن الترمذي ﵀.
قال رحمه الله تعالى: [الحمد لله الذي شرح صدور أصفيائه بعلوم كلامه المعجز القديم، وعرف أولياءه بمعارف كتابه المهيمن الكريم، وروح أرواح أهل وداده بفوحات عرف ذكره الحكيم.
والصلاة والسلام على رسوله الذي بين للناس ما نزل إليهم وهداهم إلى الصراط المستقيم، وعلى آله وأصحابه الذين هم كالنجوم في نقل أموره وأيامه وسننه وتبليغ دينه القويم.
أما بعد: فهذه فوائد مهمة فريدة، ومباحث جمة مفيدة، ومعارف رائقة عجيبة، وعوارف رائعة غريبة، وتحقيقات بديعة لطيفة، وأبحاث نفيسة شريفة، لا يستغني عنها كل من يشتغل بعلم الحديث وكتبه، بل لا بد منها لمن يشتغل بالجامع الصحيح للإمام الهمام: أبي عيسى الترمذي ﵀، جمعها وحررها إمام العصر، مسند الوقت، شيخ المعارف وإمامها، ومن في يديه زمامها، المحقق المحدث الفقيه الأجل، الشيخ أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن المباركفوري طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، صنفها وجعلها مقدمة لشرحه تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، وهي مشتملة على بابين: الباب الأول: في فوائد متعلقة بعلم الحديث وأهله وكتبه عمومًا.
الباب الثاني: في فوائد متعلقة بالإمام الترمذي وجامعه خصوصًا، تقبلها الله ونفع بها المسلمين.
قال: بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول: فيما يتعلق بعلم الحديث وكتبه وأهله عمومًا، وفيه أحد وأربعون فصلًا: الفصل الأول: في حد علم الحديث وموضوعه وغايته، قال الكرماني في شرح البخاري: اعلم أن علم الحديث موضوعه: هو ذات رسول الله ﷺ من حيث إنه رسول الله ﷺ.
وحده: هو علم يعرف به أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله وأحواله.
وغايته: هو الفوز بسعادة الدارين.
قال السيوطي: هذا الحد مع شموله لعلم الاستنباط غير محرر، ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله: إن موضوع علم الحديث: ذات الرسول.
ويقول: هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث، كذا في التدريب.
قلت: والعجب كل العجب من الكافيجي كيف أنه تعجب من قول الكرماني: إن موضوع علم الحديث: ذات الرسول.
وكيف قال: إن هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث؟! ألم يعلم أن موضوع الطب هو بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض، لا ذات رسول الله ﷺ، فإن قال: إن ذات رسول الله ﷺ من أفراد بدن الإنسان، فبهذا الاعتبار صار ذاته ﷺ موضوع الطب.
قلنا: لم يقل الكرماني: إن موضوع علم الحديث ذات رسول الله ﷺ من حيث الصحة والمرض، بل قال: موضوع علم الحديث ذات رسول الله ﷺ من حيث إنه رسول الله ﷺ، فبعد تقييده بهذه الحيثية كيف يكون ذاته ﷺ موضوع الطب؟! والعجب من السيوطي أيضًا أنه نقل كلام شيخه الكافيجي هذا وسكت.
وقال صاحب كشف الظنون: علم الحديث: هو علم يعرف به أقوال النبي ﷺ وأفعاله وأحواله.
فاندرج فيه معرفة موضوعه.
وأما غايته: فهي الفوز بسعادة الدارين، كذا في الفوائد الخاقانية.
وهو ينقسم إلى: العلم برواية الحديث.
وهو علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول ﵊، من حيث أحوال رواتها ضبطًا وعدالة، ومن حيث كيفية السند اتصالًا وانقطاعًا وغير ذلك، وقد اشتهر بأصول الحديث.
العلم بدراية الحديث.
وهو علم يبحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث، وعن المراد منها، مبنيًا على قواعد العربية وضوابط الشريعة، ومطابقًا لأحوال النبي ﷺ.
وموضوعه: أحاديث الرسول ﷺ من حيث دلالتها على المعنى المفهوم أو المراد.
وغايته: التحلي بالآداب النبوية، والتخلي عما يكرهه وينهاه، ومنفعته أعظم المنافع كما لا يخفى على المتأمل.
ومبادئه: العلوم العربية كلها، ومعرفة القصص والأخبار المتعلقة بالنبي ﷺ، ومعرفة الأصلين والفقه وغير ذلك، كذا في مفتاح السعادة.
انتهى ما في الكشف.
وقال الجزائري: قد قسموا علم الحديث إلى قسمين: قسم يتعلق بروايته، وقسم يتعلق بدرايته.
قال ابن الأكفاني في إرشاد القاصد: علم رواية الحديث: علم ينقل أقوال النبي ﷺ وأفعاله بالسماع المتصل وضبطها وتحريرها.
وعلم دراية الحديث: علم يتعرف منه أنواع الرواية وأحكامها وشروط الرواة وأصناف المرويات واستخراج معانيها.
قال الجزائري: والأولى تسمية هذا الفن، أي: فن مصطلح الحديث، الذي سماه ابن الأكفاني بعلم دراية الحديث، باسمه المعروف، أعني: مصطلح أهل الأثر؛ فإنه أدل على المقصود، وليس فيه شيء من الإبهام والإيهام، وقد جرى على ذلك الحافظ ابن حجر ﵀، فسمى رسالته المشهورة فيه: نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر.
انتهى.
وذكر صاحب الحطة تعريف علم الحديث في فصلين فقال: الفصل الأول: في علم الحديث رواية، وهو: علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الحديث برسول الله ﷺ من حيث الصحة والضعف، ومن أحوال رواتها ضبطًا وعدالة، وأحوال رجالها جرحًا وتعديلًا، ومن حيث كيفية السند اتصالًا وانقطاعًا وغير ذلك، وقد اشتهر بأصول الحديث.
وقال الباجوري في حاشيته على الشمائل المحمدية: إنهم عرفوا علم الحديث رواية بأنه: علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي ﷺ، قيل: أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولًا أو فعلا أو تقريرًا أو صفة.
وموضوعه: ذات النبي ﷺ من حيث إنه نبي لا من حيث إنه إنسان مثلًا.
وواضعه: أصحابه ﷺ الذين تصدوا لضبط أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته.
وغايته: الفوز بسعادة الدارين.
ومسائله: قضاياه التي تذكر ضمنًا، كقول: قال النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات).
فإنه متضمن لقضية قائله: (إنما الأعمال بالنيات) من أقواله ﷺ.
واسمه: علم الحديث رواية.
ونسبته: أنه من العلوم الشرعية، وهي: الفقه، والتفسير، والحديث.
وفضله: أن له شرفًا عظيمًا من حيث أنه تعرف به كيفية الاقتداء به ﷺ.
وحكمه: الوجوب العيني على من انفرد، والكفائي على من تعدد.
واستمداده: من أقوال النبي ﷺ وأفعاله وتقريره وهمه وأوصافه الخلقية، وأخلاقه المرضية.
فهذه هي المبادئ العشرة.
الفصل الثاني: في علم الحديث دراية، وهو المراد عند الإطلاق، وهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد، وما يتبع ذلك.
وموضوعه: الراوي والمروي من الحيثية المذكورة.
وغايته: معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك.
ومسائله: ما يذكر في كتبه من المقاصد، كقولك: كل حديث صحيح يقبل.
وواضعه: ابن شهاب الزهري في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره، وقد أمر أتباعه بعد فناء العلماء العارفين بالحديث بجمعه، ولولاه لضاع الحديث.
واسمه: علم الحديث دراية.
وبقية المبادئ العشرة تعلم مما تقدم، لأنه قد شارك فيه النوع الثاني الأول.
كذا في حاشية الباجوري انتهى ما في الحطة.
قلت: قد ظهر من هذه العبارات أن علم الحديث يطلق على ثلاثة معان: الأول: أنه علم يعرف به أقوال رسول ﷺ وأفعاله وأحواله، وقد قيل له: العلم برواية الحديث كما في عبارة ابن الأكفاني والباجوري.
الثاني: أنه علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول ﷺ، من حيث أحوال رواتها ضبطًا وعدالة، ومن حيث كيفية السند اتصالًا وانقطاعًا وغير ذلك.
وعلم الحديث بهذا المعنى الثاني هو المعروف بعلم أصول الحديث وقد قيل له: العلم برواية الحديث أيضًا كما في عبارة الكشف والحطة.
وقد قيل له: العلم بدراية الحديث أيضًا، كما في عبارة ابن الأكفاني والباجوري.
الثالث: أنه علم يبحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث وعن المراد منها، مبنيًا على قواعد العربية وضوابط الشريعة، ومطابقًا لأحوال النبي ﷺ، كما في عبارة الكشف، فاحفظ هذا].
إذًا: علم الحديث رواية: يبحث في حال النبي ﷺ وأقواله وأفعاله.
وعلم الحديث دراية: يبحث في اتصال السند، وعدالة الرواة وجرحهم.
والغاية هي: معرفة المعاني والأحكام المستنبطة من ألفاظ النبي ﷺ.
قوله: [وقال العلامة الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري في فتح الباقي شرح ألفية العراقي: الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح: ما أضيف إلى النبي ﷺ.
وقيل: أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولًا أو فعلًا أو تقريرًا أو صفة، ويعبر عن هذا بعلم الحديث رواية، ويحد بأنه علم يشتمل على نقل ذلك.
وموضوعه: ذات النبي ﷺ من حيث إنه نبي.
وغايته: الفوز بسعادة الدارين.
وأما علم الحديث دراية، وهو المراد عند الإطلاق كما في النظم، يعني: قول الناظم من الرجز: فهذه المقاصد المهمة توضح من علم الحديث رسمه فهو علم يعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
وموضوعه: الراوي والمروي من حيث ذلك.
وغايته: معرفة ما يقبل وما يرد من ذلك.
ومسائله: ما يذكر في كتبه من المقاصد.
انتهى.
وقال العلامة عز الدين بن جماعة: علم الحديث: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، وقد نظمه الجلال السيوطي فقال: علم الحديث ذو قوانين تحد يدرى به أحوال متن وسند فذانك الموضوع والمقصود أن يعرف المقبول والمردود].
1 / 3