A Calm Pause with Those Criticizing the Da'wah Groups
وقفة هادئة مع الطاعنين في جماعات الدعوة
اصناف
وقفة هادئة مع الطاعنين في جماعات الدعوة
كتبها: أبوعبد الله المصري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
" ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " أما بعد،،،
مقدمة:
إن الأمة الإسلامية تعيش في لحظات عصيبة؛ حيث إن أعدائها بدأوا في تنفيذ ما كانوا يخططون إليه بالقوة العسكرية، فلقد كان الغزو الفكري ونشر الأمراض الفكرية والعضوية على أمتنا مرحلة من المراحل تمهيدا للهدف الأكبر، والذي بدأ تنفيذه بقتل المسلمين في الشيشان، وأفغانستان، والعراق، والبقية تأتي.
مما يوجب على المسلمين الرجوع إلى ربهم خالقهم وناصرهم، والإعتصام بحبل الله وسنة نبيهم وما كان عليه هو ﷺ وصحابته.
فهؤلاء لا يفرقون في قتلهم المسلمين بين انتماءاتهم وأفكارهم، ولا يستثنون إلا من كان معهم على ملتهم كما قال الله سبحانه " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ".
فلا يفرقون بين سلفي، وإخواني، وتبليغي، فكلهم في نظرهم مسلمين، وإن تفاوت ذلك وفق المنظور الشرعي من الكتاب والسنة.
فإن أهل الحق هم الذين وصفهم الله ورسوله باتباعهم الكتاب والسنة ولم يغيروا ولم يبدلوا عما كان عليه النبي صلى الله وسلم، بل وَصْفُهُم اتباع النبي ﷺ في كل شؤونهم.
1 / 1
أما غيرهم من المسلمين الذين يعملون في دعوة الناس إلى دين الله كالإخوان والتبليغ فإن أهل العلم قد أخذوا عليهم بعض المخالفات الشرعية ونبهوا عليها، وأوجبوا نصحهم وبيان الحق لهم بالرفق والحكمة.
* * *
السبب في كتابة هذه الورقات
إنه بين الحين والآخر نسمع ونقرأ صيحات للتحذير من جماعات إسلامية تعمل في الدعوة إلى دين الله ولهم فضائل لا ينكرها مسلم فضلا عن ذي علم، ولكن هناك من يغالي ويزعم النصح لهذه الأمة ويعتبر هذه الجماعات أخطر على الأمة من اليهود والنصارى والعلمانيين والمذاهب الهدامة كالماسونية، وأخطر علينا من الروافض المجوس الذين قد ظهر خطرهم على مدى التاريخ وفي العراق الآن.
هؤلاء لا همَّ لهم إلا التحذير من جماعتي الإخوان والتبليغ، وينشرون ذلك على الشباب الملتزمين حديثا ويعلمونهم فنَّ الهدم هذا على أنه من الدين وأنه من الواجبات الشرعية العظيمة وأنه جهاد للمبتدعة، ويُنَزِّلون كلام السلف في ذم البدع وهجر المبتدعة على ما يفعلونه، كما يستشهدون بكلام لبعض العلماء المعاصرين إما مبتورا، وإما مُدَلَّسًَا وإما فتوى لعالم في السعودية والتي ينتشر فيها مذهب السلف لا بلد كمصر يختلط فيها الحابل بالنابل والملتزمون عند عوام الناس كلهم أخوة لا يفرقون بينهم كما أنه ولله الحمد هناك ميل للتيار الإسلامي في مصر من هؤلاء العوام.
فإنه قد دار بيني وبين أحد الشباب الملتزم حديثا نقاش أذكره ملخصا.
فقد قابلتُ هذا الأخ فأخذ يحذر من جماعتي الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ في مصر،
1 / 2
قال لي: يجب عليك أن تحذر من أهل البدع، فهؤلاء أخطر على الأمة من اليهود والنصارى، فاليهود والنصارى قد علمناهم وأنهم أعدائنا، أما هؤلاء فهم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ويَدُسُّون لنا البدعة في السنة كمن يَدُسُّ السم في العسل، وأن أهل البدع فعلوا في الإسلام ما لم يفعله أعداؤه فهم من الاثنتين وسبعين فرقة التي توعدها النبي بالنار لمخالفتها سبيله لأنها تدعو إلى غير سنة النبي ﷺ وأخذ يستشهد لكلامه بكلام السلف في التحذير من البدع والمبتدعة والذي يحتاج إلى ساعات لقراءته، وأنني إذا قلت بأننا يمكن أن نتعاون مع بعضنا البعض في أوجه البر والتقوى عملا بقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " فنتعاون على الوقوف معا ضد النشاط التنصيري أو لإعانة الفقراء والمحتاجين أو الأرامل واليتامى، قال لي: بأنك صاحب بدعة بهذا القول، وأننا لا يمكن أن نتعاون مع المبتدعة بحال وبأي نوع من أنواع الأعمال.
* * *
قبل أن أشرع في موضوع هذه الرسالة هناك أمور ينبغي التذكير بها وهي:
إذا استشكل علينا أمر أو أردنا الوصول إلى ما يرضي الله فقد أمرنا الله بالاستعانة به سبحانه والتوجه إليه بالدعاء فقال " وقال ربكم دعوني استجب لكم "،
ومن دعاء الرسول ﷺ " الله رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فاهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " أخرجه الإمام مسلم في باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه برقم ٢٠٠.
فعلينا أن ندعو الله في مسألتنا هذه أن يهدينا إلى القول الذي يرضيه سبحانه ويشرح صدورنا له.
1 / 3
الخوض في أمر يتعلق بالدعوة وبقطاع عريض من المسلمين أمر لا يحدده طائفة من طلبة العلم أو قلة من العلماء، بل يحتاج الأمر إلى مشاورة بين كثير من العلماء لامتداد تأثير ذلك على كثير من المسلمين وإن لم يُضْبَطْ ذلك الأمر بضوابطه الشرعية كانت المفاسد والصد عن سبيل الله أكثر من المصالح والدعوة إلى دينه سبحانه.
- أمر الله سبحانه بالجماعة ونهى عن الفرقة.
- جعل الله أشد الناس عداوة للمسلمين اليهود والمشركين وهم على قلب رجل واحد في حربهم على المسلمين.
- فَرَّقَ العلماء بين البدع العقدية والبدع العلمية أي البدع المتعلقة بمسائل الإعتقاد والبدع المتعلقة بأمور العبادات والقربات.
- هناك فرق بين إطلاق القول بأن من فعل كذا فهو مبتدع وبين تعيين المبتدع بأن نقول هذا الشخص بعينه مبتدع إذ يلزم لذلك إقامة الحجة واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
- من استدل بكلام لأهل العلم فعليه أن يعزوه لمصدره.
* * *
قلت وبالله تعالى التوفيق والهدى:
أخي الحبيب أتدري ما تقول؟ فإننا تعلمنا أن نعرض كلام كل أحد على الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة؛ لأن ذلك السبيل لمعرفة الصواب والخطأ.
ما قلته فالرد عليه من وجوه:
أولا:
قولك " إن الإخوان والتبليغ من أهل البدع الذين يجب التحذير منهم فهم من الاثنتين وسبعين فرقة الذين توعدهم النبي ﷺ بالنار " فالرد عليه من وجوه
لا ينكر أحد أن جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ في مصر قد يشوب كل منهم بعض الأخطاء التي أخذها عليهم أهل العلم، ونحن لا نقول لأحد أن يسكت عن هذه الأخطاء بل الواجب أن نأمر بالمعروف ولكن بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر ولكن بغير المنكر.
1 / 4
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة (١) ٢ / ٢١٦ - ٢١٩:
وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما اذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهى وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها ولا اجتهد رأيه لمعرفة الاشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الاحكام.
وعلى هذا إذا كان الشخص أوالطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا، أو يتركوهما جميعا لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا ان ينهوا عن منكر، بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله ﷺ وزوال فعل الحسنات، وإن كان المنكر اغلب نهي عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله
وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما فتارة يصلح الأمر وتارة يصلح النهي وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المنكر والمعروف متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة،
_________
(١) الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية - الناشر جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة المنورة - الطبعة الأولى، ١٤٠٣ - تحقيق: د. محمد رشاد سالم
1 / 5
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقا، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه، أو حصول منكر فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه.
وإذا اشتبه الأمر استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية، وإذا تركها كان عاصيا فترك الأمر الواجب معصية وفعل ما نهى عنه من الأمر معصية وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة الا بالله.
ومن هذا الباب إقرار النبي ﷺ لعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من الأعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزاله معروف أكبر من ذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمدا يقتل اصحابه.
* * *
وإليك فتوى الشيخ ابن باز بهذا الشأن - رحمه الله تعالى ورفع درجاته في عليين - وأنا أذكر لك الفتوى مع المرجع الخاص بها وأنشرها كاملة غير مبتورة والله المستعان:
س: هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟
ج: وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
المرجع: لقاء مع سماحة الشيخ أجرته مجلة المجتمع الكويتية بتاريخ ١٧/٧/١٤١٠ هـ.
* * *
1 / 6
قولك " هم أخطر علينا من اليهود والنصارى "
أقول لك: هل قرأت التاريخ؟ هل قرأت عن أخطر بدعة حدثت في الأمة وهي التشيع؟ هل قرأت عن الحروب الصليبية وما حدث فيها؟ هل قرأت عن مخططات الروافض وتحالفهم مع اليهود والنصارى وكل أعداء الدين ضد أهل السنة، وما تسببوا فيه للمسلمين من قتل وهتك أعراض؟
إن أهل السنة ومن تكلم في الفرق وعلماء من الشيعة يقولون بأن من أحدث التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودي واقرأ عن ذلك إن شئت، وكل فتنة تحصل في الأمة وكل حرب يخوضها المسلمون تجدها مع اليهود والنصارى ومن يوالونهم من الروافض المجوس عليهم من الله ما يستحقون وهذا أمر يصعب إحصائه لكن أحيلك إلى كتب التاريخ ومن تكلم في مكر اليهود والنصارى والروافض المجوس.
إذًا من الأخطر علينا " اليهود والنصارى والروافض " أم الإخوان المسلمون وجماعة التبليغ؟
الإخوان مما يهتمون به تحفيظ أبناء المسلمين كتاب الله لا خطط هدم الدين ولا أقوال تحريف القرآن ولا سب الصحابة ولا الطعن في عرض أم المؤمنين عائشة - حاشاهم الله - بل يحفظونهم كتاب الله ويقيمون لهم المسابقات في ذلك، كما يعلمونهم سنة النبي ﷺ في النوم والأكل والشرب وأخلاقه وكذلك مغازيه ﷺ وإن لم تكن تصدقني فهذه حلقاتهم فانزلها لتسمع بنفسك.
فهم جزاهم الله خيرا يهتمون بأبناء المسلمين في وقت تنتشر فيه ما تراه بعينيك من غناء ومخدرات وأفكار منحرفة وتنصير وشهوات و* * * و* * * و* * * و* * *، فكيف بعد ذلك يقال: إن هؤلاء أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى.
1 / 7
أما جماعة التبليغ فكم من شباب تارك للصلاة ومنغمس في الشهوات والمخدرات قد جعلهم الله سببا في هدايته، بل وهداية كافرين في الداخل والخارج إلى الإسلام، فهم يخرجون لدعوة الناس من على المقاهي ويطرقون البيوت ويدخلون أماكن كثيرة لكي يدعون الناس بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، لا يدعون إلى غير ذلك وأقصد جماعة التبليغ التي عندنا في مصر - لا في باكستان والهند والتي أُلِّفت فيها كتب التحذير لما فيهم من أخطاء اعتقادية وبدعية - فهم أحسن الله إليهم يقومون بتلاوة آيات من كتاب الله ومن كتاب رياض الصالحين للإمام النووي فدعوتهم قائمة على الدعوة إلى الكتاب والسنة بالكتاب والسنة، وإن كان هناك بعض الأخطاء الشرعية التي نبه عليها أهل العلم لكن ليس معنى ذلك أن نشهر بهم ولا نذكر حسناتهم ونطعن فيهم ولا يكون لنا هَمَّ إلا التحذير منهم.
هل الإخوان والتبليغ يدعون إلى التنصير، أم العلمانية، أم الماسونية، أم الخوارج، أم الشيعة والروافض، أم الجهمية والمرجئة، أم القدرية، أم المعتزلة، أم * * *.
إذا فاليهود والنصارى والروافض هم الذين فعلوا في الإسلام ومكروا بالمسلمين مكرا لا يعلمه إلا الله ﷿.
فإن كانوا على مخالفات فعلى أهل العلم النصح لهم وتبيين الحق بالحسنى فهم أعلم بالحق وبكيفية إيصاله إلى المخالف، لكن كون هذه المخالفات تخرجهم إلى الفرق المتوعدة بالنار في كل بلد فيحددها أهل العلم في تلك البلد، وكذلك لا نقول هم أهل الحق الذين يجب اتباعهم، بل كما قال أهل العلم إن أهل الحق هم المتبعون للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
* * *
1 / 8
قولك " إنهم من الفرق الاثنتين والسبعين التي توعدها النبي ﷺ بالنار "
أسألك سؤالا: هل أجمع السلف على تعييين الاثنين وسبعين فرقة أم اختلفوا؟ وما ضابط جعل جماعة بعينها من الفرق المتوعدة بالنار؟ وكيف أدخلت الإخوان والتبليغ فيها؟
إن من صَنَّفَ من علماء الفرق قد جعل أصول الفرق من خالف في الإعتقادات خاصة مخالفا أصلا أو أكثر من أصول الدين وإليك كلام أشهر من أَلَّفَ منهم في ذلك:
روى الإمام ابن بطة العكبري بإسناده في كتاب الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية طـ دار الكتب العلمية
بيروت ١ / ١٠٨:
٢٧٦: قال يوسف بن أسباط: أصل البدع أربعة: الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة، ثم تتشعب كل فرقة ثماني عشرة طائفة فتلك اثنتان وسبعون والثالث والسبعون الجماعة التي قال رسول الله ﷺ إنها الناجية.
وروى برقم ٢٧٨: قال حفص بن حميد: قلت لعبد الله بن المبارك: على كم افترقت هذه الأمة؟ فقال: الأصل أربع فرق هم: الشيعة والحرورية والقدرية والمرجئة، فافترقت الشيعة على اثنتين وعشرين فرقة، وافترقت الحرورية على إحدى وعشرين فرقة، وافترقت القدرية على ست عشرة فرقة، وافترقت المرجئة على ثلاث عشرة فرقة.
* * *
قال البغدادي في كتاب الفَرْق بين الفِرَق (١) صـ ٥ - ٧:
_________
(١) الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور - الناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت - الطبعة الثانية، ١٩٧٧
1 / 9
وقد روى عن الخلفاء الراشدين أنهم ذكروا افتراق الامة بعدهم فرقا، وذكروا أن الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال في الدنيا والبوار في الآخرة، وروى عن النبي ذم القدرية وأنهم مجوس هذه الأمة، وروى عنه ذم المرجئة مع القدرية، وروى عنه أيضا ذم المارقين وهم الخوارج، وروى عن أعلام الصحابة ذم القدرية والمرجئة والخوارج المارقة، وقد ذكرهم علي رضى الله عنه في خطبته المعروفة بالزهراء وبرىء فيها من أهل الأديموات، وقد علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى أن النبي ﵇ لم يرد بالفرق المذمومة التي أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع الفقه مع اتفاقهم على أصول الدين لأن المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع الحلال والحرام على قولين: أحدهما قول من يرى تصويب المجتهدين كلهم في فروع الفقه وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون، والثاني قول من يرى في كل فرع تصويب واحد من المتخلفين فيه وتخطئة الباقين من غير تضليل منه للمخطىء فيه، وإنما فصل النبي ﵇ بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية في أبواب العدل والتوحيد، أو في الوعد والوعيد، أو في بابي القدر والاستطاعة، أو في تقدير الخير والشر، أو في باب الهداية والضلالة، أو في باب الإرادة والمشيئة، أو في باب الرؤية والإدراك، أو في باب صفات الله ﷿ وأسمائه وأوصافه، أو في باب من أبواب التعديل والتجويز، أو في باب من أبواب النبوة وشروطها ونحوها من الأبواب التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والروافض والنجارية والجهمية والمجسمة والمشبهة ومن جرى من فرق الضلال، فإن المختلفين في العدل والتوحيد والقبور والأسلاف متحدو الروية والصفات والتعديل والتجويز وفى شروط النبوة والإمامة يكفر بعضهم بعضا
1 / 10
فصح تأويل الحديث المروى في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة إلى هذا النوع من الاختلاف دون الانواع التي اختلفت فيها ائمة الفقه من فروع الاحكام في أبواب الحلال والحرام، أو ليس فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من أحكام الفروع؟ .
* * *
قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (١):
كبار الفرق الاسلامية أربع:
١) القدرية
٢) الصفاتية
٣) الخوارج
٤) الشيعة
ثم يتركب بعضها مع بعض ويتشعب عن كل فرقة أصناف فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة.
* * *
قال الدكتور مصطفى بن محمد مصطفى في كتابه " تاريخ الفرق الإسلامية " صـ ٧٩ - ٨٣:
المسألة السابعة في تعيين هذه الفرق
وهي مسألة كما قال الطرطوشي طاشت فيها أحلام الخلق، فكثير ممن تقدم وتأخر من العلماء عينوها، لكن في الطوائف التي خالفت في مسائل العقائد:
فمنهم من عد أصولها ثمانية، فقال: كبار الفرق الإسلامية ثمانية: المعتزلة، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، والنجارية، والجبرية، والمشبهة، والناجية.
فإن كان رسول الله ﷺ أراد بتفرق أمته أصول العقائد التي تجري مجرى الأجناس للأنواع، والمعاقد للفروع، لعلهم - والعلم عند الله - ما بلغوا هذا العدد إلى الآن، غير أن الزمان باق والتكليف قائم والخطرات متوقعة، وهل قرن أو عصر يخلو إلا وتحدث فيه البدع؟!
وإن كان أراد بالتفرق كل بدعة حدثت في دين الإسلام مما لا يلاءم أصول الإسلام ولا تقبلها قواعده، من غير التفات إلى التقسيم الذي ذكرنا، كانت البدع أنواعا لأجناس، أو كانت متغايرة الأصول والمباني.
فهذا الذي أراده ﷺ والعلم عند الله - فقد وجد من ذلك عدد كثير من اثنتين وسبعين فرقة
_________
(١) الملل والنحل - لمحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني - الناشر: دار المعرفة - بيروت، ١٤٠٤ - تحقيق: محمد سيد كيلاني.
1 / 11
ووجه صحيح الحديث على هذا أن يخرج من الحساب غلاة أهل البدع، ولا يعدون من الأمة ولا في أهل القبلة، كنفاة الأعراض من القدرية، وكالحلولية، والنصيرية، وأشباههم من الغلاة.
هذا ما قاله الطرطوشي رحمه الله تعالى، وهو حسن التقرير، غير أنه يبقى للنظر في كلامه مجالان:
أحدهما:أن ما اختار من أنه ليس المراد الأجناس، فإن كان مراده مجرد أعيان البدع، وقد ارتضى اعتبار البدع القولية والعملية، فمشكل؛ لأنا إذا اعتبرنا كل بدعة دقت أو جلت فكل من ابتدع بدعة كيف كانت لزم أن يكون هو ومن تابعه عليها فرقة فلا تقف في مئة ولا مئتين فضلا عن وقوعها في اثنتين وسبعين فإن البدع - كما قال - لا تزال تحدث مع مرور الأزمنة إلى قيام الساعة.
وقد مر النقل ما يشعر بهذا المعنى، وهو قول ابن عباس: " ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن ".
وهذا موجود في الواقع فإن البدع قد نشأت إلى الآن ولا تزال تكثر وإن فرضنا إزالة بدع الزائغين في العقائد كلها لكان الذي يبقى أكثر من اثنتين وسبعين، فما قاله - والله أعلم - غير مُخَلِّص.
والثاني: أن حاصل كلامه أن هذه الفرق لم تتعين بعد، بخلاف القول المتقدم وهو أصح في النظر؛ لأن ذلك التعيين ليس عليه دليل والعقل لا يقتضيه.
فالأولى ما قاله من عدم التعيين، وإن سلمنا أن الدليل قام له على ذلك، فلا ينبغي للتعيين.
أما أولا: فإن الشريعة قد فهمنا منها أنها تشير إلى أوصافهم من غير تصريح ليحذر منها، ويبقى الأمر في تعيين الداخلين في مقتضى الحديث وإنما ورد التعيين في النادر كما قال ﷺ في الخوارج " إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم .... " الحديث، مع أنه ﷺ لم يُعَرِّف أنهم ممن شملهم الحديث.
1 / 12
أما الثانية: فلأن التعيين هو الذي ينبغي أن يلتزم؛ ليكون سترا على الأمة كما سترت على قبائحهم فلم يُفْضَحوا في الدنيا بها في الغالب.
وأمرنا بالستر على المذنبين ما لم تبد لنا صفحة الخلاف.
وأيضا، فللستر حكمة أخرى وهي أنها لو أظهرت مع أن أصحابها من الأمة لكان في ذلك داع إلى الفرقة وعدم الألفة التي أمر الله ورسوله ﷺ بها، قال الله " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، وقال " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، وقال " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ".
فإذا كان من مقتضى العادة أن التعريف بهم على التعيين يورث العداوة بينهم والفرقة، لزم من ذلك أن يكون منهيا، إلا أن تكون البدعة فاحشة جدا كبدعة الخوارج وذكرهم بعلامتهم حتى يعرفوا ويلحق بذلك ما هو مثله في الشناعة أو قريب منه بحسب نظر المجتهد وما عدا ذلك فالسكوت أولى.
فمن هنا لا ينبغي للراسخ في العلم أن يقول: هؤلاء الفرق هم بنو فلان، وبنو فلان! وإن كان يُعَرِّف بعلامتهم بحسب اجتهاده اللهم إلا في موطنين:
أحدهما: حيث نبه الشرع على تعيينهم كالخوارج فإنه ظهر من استقرائه أنهم متمكنون تحت حديث الفرق ويجرى مجراهم من سلك سبيلهم، فإن أقرب الناس إلى شيعة المهدي المغربي فإنه ظهر فيهم الأمر اللذان عَرَّ ف النبي ﷺ بهما الخوارج من أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
الثاني: حيث تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزيينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس وهم من شياطين الإنس فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشواهد على أنهم منهم كما اشتهر عن عمرو بن عبيد
وغيره.
1 / 13
فإذا فقد الأمران فلا ينبغي أن يُذْكَروا ولا أن يُعَيَّنوا وإن وُجِدوا؛ لأن ذلك أول مثير للشر وإلقاء العداوة والبغضاء، ومتى حصل باليد منهم من أحد ذاكره بالرفق ولم ير أنه خارج من السنة، بل يريه أنه مخالف للدليل الشرعي، وأن الصواب الموافق للسنة كذا وكذا، فإن فعل ذلك من غير تعصب ولا إظهار غلبة فهو أنجع وأنفع، وبهذه الطريقة دُعِيَ الخلق أولا إلى الله تعالى حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفُرْقَة قوبلوا بحسب ذلك.
قال أبوحامد الغزالي في بعض كتبه: " أكثر الجهالات إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جهال أهل الحق أظهروا الحق في معرض التحدي والإذلال ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء فثارت من بواطنهم دواعي المخالفة والمعاندة ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة وتعذر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها ".
قال الشيخ - حفظه الله - في صـ ٨٥:
" تحديد الفرق الثنتين والسبعين على سبيل التعيين وتوزيع الأعداد تحديدا على أصول الفرق الكبرى أمر غيبي لا دليل عليه، وكذلك تسميتها من باب الأولى لأن الافتراق يزداد والأهواء والبدع تتجدد وتنبعث في كل عصر وإلى قيام الساعة والله أعلم.
وقال في صـ ٨٧ - ٨٨:
" لقد حاول بعض العلماء ومؤلفو كتب المقالات تسمية الفرق الثنتين والسبعين وتحديدها عدديا وتوزيع ذلك على أصول الفرق الكبرى، وكل ذلك اجتهاد من هؤلاء لا يسنده دليل لا سيما وأن المسألة غيبية؛ لأن النبي ﷺ حينما أخبر لم يتجاوز ذلك العدد وأطلق الزمان والمكان فيبقى احتمال خروج الفرق إلى قيام الساعة وعلى هذا فلا يستطيع أحد أن يحدد هذه الفرق على سبيل الجزم لأن الأمر غيبي والله أعلم ". انتهى كلام الشيخ مصطفى
* * *
1 / 14
يتبين مما سبق أن السلف ﵏ ومن أَلَّفَ في الفرق جعل أصول الفرق: الخوارج والقدرية والمرجئة والشيعة، وقسموهم بهذا الإعتبار إلى اثنتين وسبعين فرقة فإنك إما أن تأخذ بكلام السلف الذين لم يدخلوا فيهم الإخوان المسلمين ولا التبليغ، أوتستدل بكلام الشيخ مصطفى حفظه الله فيلزمك أن تلتزم بما ذكره من عدم التعيين لأنه بناه على علل ذكرها، ولا يمكن أن تأخذ الشطر الأول من كلامه وتقول: إن الشيخ قال: " إن الفرق لم تعين فأنا أدخل الإخوان والتبليغ فيهم ".
أقول لك: لا يمكن ذلك لأنك خالفت كلامه ولم توافقه؛ لأنه بنى كلامه على علل ذكرها فعليك أن تلتزم بتلك العلل لا أن تفرغ قوله منها فلا يبقى للكلام حينئذ وجه للاستدلال به.
فإذا قلت لي: هو قال: لا نسكت على أهل البدع في حالتين وهو يناسب الإخوان والتبليغ.
أقول لك: لا تبتر كلام العلماء فإن الشيخ حفظه الله قد ضرب مثالا لمن يُشَهَّرُ به وهو عمرو بن عبيد رأس المعتزلة الذين خالفوا الشرع في أصول كثيرة في الصفات والقدر والإيمان وأشنعها عرض نصوص الكتاب والسنة على العقل فإذا وافقا العقل أخذا به وإلا فلا.
* * *
أما الضابط الذي اعتمد عليه العلماء في جعل فرقة بعينها من الفرق المخالفة فإليك أقوال أهل العلم في ذلك:
قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل:
المقدمة الثانية في تعيين قانون يبنى عليه تعديد الفرق الإسلامية
1 / 15
اعلم أن لأصحاب المقالات طرقا في تعديد الفرق الإسلامية لا على قانون مستند إلى أصل ونص ولا على قاعدة مخبرة عن الوجود، فما وجدت مصنفين منهم متفقين على منهاج واحد في تعديد الفرق، ومن المعلوم الذى لا مراء فيه أن ليس كل من تميز عن غيره بمقالة ما في مسألة ما عد صاحب مقاله، وإلا فتكاد تخرج المقالات عن حد الحصر والعد ويكون من انفرد بمسألة فى أحكام الجواهر مثلا معدودا فى عداد أصحاب المقالات، فلا بد إذن من ضابط فى مسائل هى أصول وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافا يعتبر مقالة ويعد صاحبه صاحب مقالة.
وما وجدت لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمة كيف اتفق وعلى الوجه الذي وجد لا على قانون مستقر وأصل مستمر فاجتهدت على ما تيسر من التقدير وتقدر من التيسير حتى حصرتها في أربع قواعد هى الأصول الكبار:
القاعدة الاولى: الصفات والتوحيد:
وهى تشتمل على مسائل الصفات الأزلية إثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة وبيان صفات الذات وصفات الفعل وما يجب لله تعالى وما يجوز عليه وما يستحيل، وفيها الخلاف بين الأشعرية والكرامية والمجسمة والمعتزلة.
القاعدة الثانية: القدر والعدل:
وهي تشتمل على مسائل القضاء والقدر والجبر والكسب وإرادة الخير والشر والمقدور والمعلوم إثباتا عند جماعة ونفيا عند جماعة، وفيها الخلاف بين القدرية والنجارية والجبرية والأشعرية والكرامية
القاعدة الثالثة: الوعد والوعيد والأسماء والأحكام:
وهي تشتمل على مسائل الإيمان والتوبة والوعيد والإرجاء والتكفير والتضليل إثباتا على وجه عند جماعة ونفيا عند جماعة، وفيها الخلاف بين المرجئة والوعيدية والمعتزلة والأشعرية والكرامية.
القاعدة الرابعة: السمع والعقل والرسالة والإمامة:
1 / 16
وهي تشتمل على مسائل التحسين والتقبيح والصلاح والأصلح واللطف والعصمة في النبوة وشرائط الإمامة نصا عند جماعة وإجماعا عند جماعة وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص وكيفية إثباتها على مذهب من قال بالإجماع، والخلاف فيها بين الشيعة والخوارج والمعتزلة والكرامية والإشعرية
فإذا وجدنا انفراد واحد من أئمة الأمة بمقالة من هذه القواعد عددنا مقالته مذهبا وجماعته فرقة، وإن وجدنا واحدا انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا وجماعته فرقة، بل نجعله مندرجا تحت واحد ممن وافق سواها مقالته ورددنا باق مقالاته إلى الفروع التى لا تعد مذهبا مفردا فلا تذهب المقالات إلى غير النهاية فإذا تعينت المسائل التى هى قواعد الخلاف تبينت أقسام الفرق الإسلامية وانحصرت كبارها في أربع بعد أن تداخل بعضها فى بعض.
* * *
قال الدكتور مصطفى بن محمد بن مصطفى صـ ٧٦ - ٧٧:
المسألة الخامسة ضابط جعل الفرقة بعينها من الفرق المخالفة
وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات نص من الجزئيات غير قليل وشأنها في الغالب أن لا تختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب.
واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافا في الفروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال.
ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا.
1 / 17
وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات.
فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلا بالواضحات وهي - أم الكتاب - وكذلك عدم تفهم القرآن مُوقِعٌ في الإخلال بكلياته وجزئياته.
* * *
بعد عرض هذا الكلام من أهل العلم أقول:
ما هي أصول الدين التي خالفها الإخوان والتبليغ حتى نجعلهم من الفرق المخالفة من الاثنتين وسبعين فرقة كما ذكرها العلماء؟
أهو نفي الصفات أم التشبيه أم التأويل أم التفويض ووضع القواعد لذلك والمناظرة عليها ودعوة الناس إليها؟
أهو المخالفة في مسائل الإيمان سواء قالوا بقول الجهمية والمرجئة وفرقها، أم الخوارج المعتزلة وفرقها؟
أهو المخالفة في مسألة عرض النقل على العقل؟
أهو القول بالحلول والاتحاد، والقول بقول الصوفية والشيعة " أن هناك نبي بعد نبينا أو معصوم بعده يؤخذ منه الشرع "؟
أهو القول بنفي القدر أو القول بالجبر؟
أهو القول بسب الصحابة وتكفيرهم والطعن في عرض أم المؤمنين عائشة واتهامها بما برَّأها الله منه كما تقول المجوس الرافضة عليهم من الله ما يستحقون؟
أهو بدعة الصوفية وما تشتمل عليه من بدع؟
أخي الحبيب لا تجد في إخواننا من الإخوان والتبليغ في مصر من يتبنى رأيا من تلك الآراء.
فإذا قلت لي: هناك منهم من يتبع الأشعري والماتريدي.
1 / 18
أقول لك: هناك فرق بين أن يقول شخص منهم رأيا لتأويل أو خطأ أو جهل، وبين من أن يتبنى رأيا في المسألة المعينة ويناظر عليها ويدعو الناس إليها، وعليك أن تلاحظ أننا مع حبنا لهم فإننا نأخذ عليهم قلة العلم الشرعي عندهم، وأن الإخوان المسلمين - جعلنا الله إخوانا على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة - يتبعون شيوخا من الأزهر الشريف، ونحن نعلم جيدا أن المذهب الذي يُدَرَّسُ هناك هو مذهب أتباع أبي الحسن الأشعري فليس لديهم منهجا عقديا يتبنونه لأنهم يرون كعوام الناس أن العلماء في مصر ينحصرون في الأزهر الشريف.
فالمشكلة ليست معهم بقدر ماهي مع ما ينتشر من بدع ومخالفات في المجتمع الذي يعيشون فيه.
* * *
ثانيا:
نحن نُسَلِّم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول هذا الدين، وليس معنى الكلام السابق أننا نسكت عن أخطاء الآخرين ونقرها ولا ننكرها بل المقصود مراعاة ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهناك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة صريحة وواضحة:
أسألك أخي الكريم: أيهما أولى بالتحذير: جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ أم التحذير من التنصير ووسائله وأهدافه، والتحذير من مخططات الروافض التي ظهرت لكل من كان عنده بصر وبصيرة، والتحذير من العلمانية، والتحذير من الحركات الباطنية كالبهائية والإسماعيلية، والتحذير من الحركات والأفكار الصهيونية كالماسونية وأندية الروتاري والليونز؟
بالله عليك هل الإخوان والتبليغ أخطر على الأمة من هؤلاء؟
ورب العرش العظيم لما اختلفت إجابة ذي عقل سليم فضلا عن ذي علم أنه لا يمكن أبدا المقارنة بين الكفر والإيمان والدعوة إلى دين الملك العلاَّم وبين الدعوة إلى الكفر والإلحاد.
1 / 19
فإن سلمنا معك تَنَزُّلا في المحاورة على أنه من المصالح العظمى للمسلمين التحذير من الإخوان والتبليغ، فإنك توافقني على أنه من المصالح الأعظم التحذير ممن ذكرت في النقطة السابقة.
هل فكرت ولو لحظات ما هي الآثار العكسية لهذا التحذير بهذا الشكل؟
أخي الكريم أحاول أن ألخص لك بعض السلبيات التي ظهرت جراء ذلك الأمر:
حصر الخطر الذي يواجهه المسلمون في الإخوان والتبليغ وإهمال ما ذكرنا من أخطار في النقطة الأولى ولا أدري لمصلحة من ذلك.
جعل ذلك الطعن والتجريح من المبادئ التي يتعلمها الأخ الملتزم حديثا وصرفه عن تعلم العلم النافع وزيادة الإيمان وما يجب عليه من فروض الأعيان، مما يُضْعِفُ القيام بما افترض الله من الحقوق بين المسلمين.
وجود رد فعل ممن تحذر منهم بأن يحذروا من السلفيين ويكونون مع أعداء السلفية في خندق واحد.
عوام المسلمين عندنا في مصر لديهم ولله الحمد تعاطف مع التيار الإسلامي بشكل عام وعندهم أن الملتحين كلهم ملتزمون لا يُفَرِّقُون بأن هذا تبليغ وهذا متدين يقصدون الإخوان وهذا سلفي فالكل عندهم واحد، فالتحذير الذي يتم بهذا الشكل يجعل العوام لا يتقبلون أيا من هؤلاء؛ لأنهم يجدون أن هذا يحذر من هذا وهذا يحذر من هذا، فنتسبب في صد الناس عن سبيل الله بسبب هذه الأمور التي تصدر بدون الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم.
تقديم خدمة جليلة إلى أعدائنا من عدة أوجه:
الإنشغال بذلك عن تعليم عوام المسلمون دينهم وما يحتاجون إليه من فروض الأعيان من أمور العقيدة والعبادة.
وقد ناقشتُ من فترة أحد هؤلاء وقلتُ له: لماذا لا نُعَلِّم الناس وندعوهم إلى الله؟
ورب العرش العظيم كانت إجابته: أننا يجب أن نهتم بأنفسنا ونقوي إيماننا.
تقوية قلوبهم برؤية المسلمين متناحرون ومتفرقون.
إنشغال المسلمون بذلك عن كشف مخططاتهم والتحذير منها والرد على شبهاتهم الذين يثيرونها.
* * *
1 / 20