حكى المسعودي عن نفسه: بصراحة أنا هنا أعيش قريب من الحدود، في قرية صغيرة مع زوجتي الجديدة وولدنا، كان عندي بيت وزوجة قبلها في مدينة حجة، لكنني لم أستطع العودة بعد أن طعنت شخصا فوق بئر الماء، كانوا يأخذون الماء يسقون القات ويبيعون «الوايت» الماء بعشرين ألف ريال، وسعره في صنعاء ألف وخمسمائة. كانت لحظة غضب، فقدت فيها استقرار حياتي بسبب التنازع على الماء. هربت إلى قرية على الحدود وذهبت إلى شيخ القرية، آخيتهم وصرت فردا منهم وعملت راعيا مع الشيخ، وتزوجت منهم. كنت أشاهد الأغنام تعبر الحدود وتعود عند الغروب، دون أن يعترضها أحد. عرفت مهربين كثر بعضهم كان يعود من رحلة التهريب كئيبا خائبا، بعد أن يكتشفه حرس الحدود ويجردوه من القات، فيقترض المال مني ثمنا لعودته إلى بلده، لكنه يعاود الكرة مرة أخرى، أو ينسق مع الحرس فيؤمن حمولته، وأعرف أيضا آخرين يهربون مواد أخرى غير القات.
سأله زربة: وزوجتك الأولى مو
59
عملت؟ - لم أستطع إحضارها، انتظرت ثلاث سنين ثم تزوجت. كانت جميلة، ما زلت أرى عيونها الخضر أمامي، اسمها نسمة وفعلا كانت هي نسمة. كلما أذكرها أندم على فعلتي الشنعاء، وألعن إبليس والجنبية والدولة التي لم تمنع أصحاب مزارع القات من استخدام مياه الشرب لسقاية القات. أعيش الآن مطاردا بعيدا عن أهلي. منذ تلك الفترة تخليت عن الجنبية حتى لا أقتل أحدا لأتفه الأسباب. أصبحت أرى الجنبية شر نتزين به.
قال سالم المدحجي: لو فكروا رجال القبائل مثلك، لانخفض معدل الجريمة كثيرا. - تقصد مثلكم يا أهل تعز؟ - ليس مثلنا نحن فقط؛ بل مثل كل دول العالم. قيل لي: إن جدي كان يتحزم بجنبية غالية الثمن، لكن أبي تركها ولم يهتم بها. - نعم، هناك جنبية بيعت بمليون دولار لأحد المشايخ ... - مليون دولار! غير معقول. لو بيعت هذه الجنبية في الخارج بكم تقدر؟ - دولار واحد. سكين يقطعون بها البصل والبطاط، يا مدحجي .
20
بقوا طوال النهار في الكهف؛ حتى لا يرصدهم حرس الحدود بالمنظار، وبعد الغروب تحركوا يمشون بين الصخور دون أن ينبسوا بكلمة ثم مشوا بحذر بين أشجار السدر التي كانت تخفيهم عن رصد المناظير الليلية. اجتازوا الحدود والخوف من دوريات الحدود يتملكهم، فكانوا يتنقلون بحذر. كان هناك قاع مستو مكشوف للحرس، فقرروا أن يجتازوه فرادى. تقدم سالم المدحجي يمشي سريعا، ثم تبعه المسعودي. قطف زربة بعض الأعشاب وربطها حول خاصرته، ثم تبعهم يمشي رويدا أشبه بشجرة تتحرك. وصل إلى حيث رفيقاه وهما يكتمان ضحكاتهما. وصلوا عند الفجر إلى بيت متعب اليامي المحاط بأشجار السدر الكثيفة، أخذوا قسطا من الراحة وتناولوا وجبة دسمة، أرزا مع لحم جمل. أخذ زربة يحشو فمه بالأرز بلقم كبيرة والجميع يحدقون فيه بدهشة. عادوا في الليل يمشون سريعا، ولم يتوقفوا إلا بعد أن وصلوا الأراضي اليمنية، وهناك تنفسوا الصعداء وضحكوا مما جرى لزميلهم البرطي، وكيف كان زربة يمشي في التل والأغصان حوله، وحين مشى على يديه ورجليه وهو يصعد الجبل. ضحك المسعودي وقال: كنت أبصرك مثل حماري الذي كنت أهرب عليه القات، لكن ما شاء الله تحمل أكثر منه. - يا جماعة، لأول مرة أحب بلادي. لما سرحت
60
حسيت أنها تدعو لي بالسلامة ولما رجعت حسيت أنها تحضنني. والله، لولا الحاجة لما أهنا أنفسنا بهذا العمل، ولما سرحنا نطلب شغل مثل الشحاتين عندهم وهم يزفرونا
61
Bilinmeyen sayfa