قام والد زربة بسحب يد عثمان اليسرى من معصمها، بتعليمات منه ووضع حول الكسر لحا شجر السدر الجاف المخصصة لتجبير الكسور، وربطها جيدا ثم ساعده في الوصول إلى بيته. أما زربة فقد نصح عثمان ببيع ثوره للجزار مقبل الدسم؛ لاحتمال تكرار فعلته ووالد زربة نصحه بكي رأس الثور بالنار؛ لإخراج الجني الذي تلبسه فرفض عثمان قائلا: الثور مأمور وطاعة الله واجبة.
لكنه قبل بالميسم على رأسه هو؛ لمعالجته من أثر الخوف.
الظهيرة
ترتدي شمس الظهيرة زهو الشباب فتمنح العالم حبها الأكبر. ***
1
علم المقاول عبد العزيز، في قرية الرجاع التي تبعد ساعة مشيا من قرية القرن أن زربة في قريته، فأرسل رسولا إليه ليخبره أن لديه عملا لبناء دار في قرية شرار، لرجل يمتلك مزارع قات، وأخبره أن يصطحب عمالا من قريته.
يفضل زربة العمل مع مزارعي القات؛ لأنهم يوفرون عليه شراء القات وكرماء به، فاستجاب للمقاول واختار ثلاثة عمال من قريته هم: سالم الحطاب، ناجي أحمد المقشش وشماس المطين. وصلوا إلى موقع البناء فوق تل صغير، يطل على جنة القات كما يراه زربة، الشجرة التي يقول عنها إنها أخرجت آدم من الجنة، وإن الله أنزلها مع آدم إلى الأرض؛ لهذا كان زربة يؤكد لأصحابه أن آدم نزل في الحبشة، حيث يوجد هناك القات الهرري أجود أنواع القات في العالم؛ لهذا صدق كلام محمد مدهش حين قال له: إن الإنسان وجد أولا في الحبشة.
بدأ العمال يحفرون الأساس، وكان عمال آخرون قد نقلوا الحجارة سلفا. ثم قاموا وقرها للبناء ويعدون حجارة الأركان، التي كانت الواحدة تأخذ يوما ونصفا في تشذيبها وتجهيزها. في التاسعة صباحا وزع صاحب المزرعة القات على العمال، أخذوا نصف ساعة استراحة لمضغه، ثم عادوا إلى العمل وهم يرددون المهاجل الشعبية حتى صلاة الظهر . تناولوا غداءهم الذي لا يخلو من اللحم، ثم افترشوا التراب واتكئوا على الأحجار تحت ظل شجرة قريبة، وأخذوا يمضغون القات حتى الساعة الثانية بعد الظهر، ثم قاموا للعمل حتى الساعة الخامسة مساء. تناولوا وجبة العشاء ثم جلسوا لمضغ بقية القات. أما زربة فيمنحه المقاول حزمة إضافية؛ لما يبذله من جهد كبير في العمل، حتى إن بعض العمال الكسالى الذين ينقلون الحجارة والطين إليه يرفضون العمل معه؛ لأنه لا يسمح لهم بالذهاب إلى التبول مرارا لمكرهم.
2
في اليوم الثالث أعد المطين شماس كمية كبيرة من الطين؛ لخبرته في هذا المجال وكثيرا ما كان زربة يصحبه في عمله. هو رجل طويل ونحيف، قدماه عريضتان، تغرق ساقيه حتى منتصفهما في الطين. كانت معهما أربع نساء تنقل الأحجار الصغيرة، وكان سالم الحطاب يساعدهن بوضع الأحجار على رءوسهن وهن متكئات على رءوس أصابع أقدامهن. المضحك أن سالم لم يعتد على لبس السروال الداخلي تحت مئزره المشدود بحزام عريض في مقدمته محفظة للنقود. كان حين يضع الحجارة على رءوس النساء يعلق طرف مئزره أحيانا بين رأس المرأة والحجرة، فيتدلى أيره الطويل أمام عيون النساء فيحمر وجوههن خجلا. اشترت العاملات سروالا داخليا لسالم، أخذه منهن وهو يشعر بالخجل، وراح يتذكر حين كان يتسلق الأشجار بخفة في القرية وفأسه بيده وبعض النساء يقفن تحته يجمعن الأحطاب في حزم كبيرة، ولم يكن يعرف سر ضحكاتهن.
Bilinmeyen sayfa