فلاذ حسين بالصمت، ونكس ذقنه عابسا، وانبرت المرأة تقول باستعطاف: استغنوا عنه يا معلم.
ونقم الشاب على أمه تسرعها للمرة الثانية. أما المعلم فقد ازداد حنقا وصاح بصوته الغليظ - مما جعل المرأة تغلق الباب - قائلا: استغنوا عنك؟! .. ما شاء الله! .. وهل بيتي تكية؟! .. ألم تنبذنا يا همام؟ .. ألم تعضني بنابك يابن الكلب؟ .. فلماذا تعود الآن؟ .. اغرب عن وجهي .. عد إلى الحياة النظيفة والماء والكهرباء .. هيا!
فقالت أم حسين برقة: هدئ روعك يا معلم، وصل على النبي.
فلوح لها الرجل بقبضته منذرا وصاح بها: تدافعين عنه يا بنت الأبالسة؟! .. كلكم جنس شياطين يستأهل جلد السياط وعذاب النار. ماذا تريدين يا أم الشر كله؟ .. أتريدينني على أن أويه وأهله؟ .. هل قالوا لك إني قواد يأتيني رزقي من يمين وشمال بغير تعب ولا جهد؟! .. ألا فاعلموا بأن الشرطة تحوم حولنا، وبالأمس قبضوا على أربعة من رفاقي، وغدكم أسود بإذن الله!
فاستوصت المرأة بالصبر وقالت برقة لا عهد لها بها: صل على النبي يا معلم ووحد الله.
فصاح بفظاظة: سليه عما جاء به؟
فقالت برجاء واستعطاف: ابننا أرعن مجنون، غواه الشيطان فأضله، وليس له الآن من ملجأ سواك.
فقال المعلم كرشة بحنق وسخرية: صدقت يا أم السوء، ليس له من ملجأ سواي .. سواي أنا الذي يسب حين السراء، ويلجأ إليه حين الضراء!
ثم تفحص حسين بنظرة قاسية وسأله باحتقار وسخرية: لماذا استغنوا عنك؟
وتنهدت الأم من الأعماق لأنها أدركت بغريزتها أن هذا السؤال - على لهجته المريرة - إيذان بالتفاهم المنشود. أما حسين فقد قال بصوت منخفض وهو يعاني مرارة القهر: استغنوا عن كثيرين غيري .. يقولون: إن الحرب وشيكة الانتهاء. - انتهت الحرب في الميدان، وستبدأ في بيتي أنا! .. ولماذا لم تذهب إلى أهل زوجك؟
Bilinmeyen sayfa