ليست المرأة غاضبة .. ولو كانت غاضبة حقا لما دارت غضبها، ولصفعته بوحشيتها! إنها تمازحه ولا شك، فلا يجوز أن تفلت الفرصة من يديه، قال: أنت لا تفرقين يا معلمة ما بين التراب والتبر.
فقالت المرأة بتحد: هل تستطيع أن تنكر أنك من طين؟
فهز منكبيه استهانة وقال ببساطة: كلنا طين.
فقالت المرأة ساخرة: خسئت! إنك طين على طين، وقذارة على قذارة، ولذلك لا عمل لك إلا تشويه البشر، كأنك تنبعث إلى ذلك برغبة شيطانية في النزول بالبشر إلى مستواك القذر.
فتضاحك زيطة وما يزداد إلا أملا، وقال: ولكني أحسن الناس ولا أقبحهم، ألا ترين أن الشحاذ بغير العاهة لا يساوي مليما، حتى إذا ما صنعتها له ساوى ثقله ذهبا؟! والرجل يقوم بثمنه لا بصورته .. أما أخونا جعدة فلا ثمن ولا صورة.
فزمجرت المرأة بصوت ملؤه الوعيد: أتعود إلى هذا الحديث مرة أخرى؟!
فتعامى عن وعيدها، وتجاهل الموضوع الذي طرقه متعمدا، وتخطاه قائلا: ومع ذلك فجميع زبائني من الشحاذين المحترفين، فماذا تريدينني على أن أفعل بهم؟ .. أكنت تريدين أن أحليهم وأزينهم وأسرحهم في الطرقات لغواية المحسنين؟! - يا لك من شيطان! لسان شيطان، وصورة شيطان!
فتنهد بصوت مسموع، وقال باستكانة المستعطف: كنت مع ذلك ملكا في يوم ما!
هزت رأسها متسائلة في سخرية: ملكا من الأسياد والعفاريت؟
فقال بلهجة الاستكانة والاستعطاف نفسه: بل من البشر أنفسهم .. وأي واحد منا تستقبله الدنيا كملك من الملوك، ثم يصير بعد ذلك ما يشاء له نحسه. وهذا خداع حكيم من الحياة، وإلا فلو أنها أفصحت لنا عما في ضميرها منذ اللحظة الأولى لأبينا أن نفارق الأرحام. - ما شاء الله يابن الدائخة!
Bilinmeyen sayfa