ونظر السيد إلى الوجه المشرب بالسواد في استياء مكتوم، وقال بتؤدة: هذا شاب رقيع سيئ السمعة، ولقد أخطأت في محاولة خداعي، وكان الأخلق بك أن تقدر نصحي، وتواجهني صادقا صريحا.
وأدرك المعلم أن السيد قد استاء، وإن لم يلح الاستياء في وجهه، فلاذ بالصمت كاظما غيظه، وأخذ يفكر في الانصراف. ولكن السيد استدرك قائلا: إني أدعوك لما فيه صلاحك وصلاح بيتك، ولست يائسا من جذبك للخير. اهجر هذا الشاب، إنه رجس من عمل الشيطان، وتب إلى ربك، إنه غفور رحيم. لو كنت من الصالحين لكنت الآن من الموسرين، ولكنك تربح كثيرا وتخسر في بالوعة الرجس كثيرا، وتبقى على الأيام فقيرا معدما. فماذا قلت؟
وعدل المعلم عن المكابرة بصفة نهائية، وخاطب نفسه قائلا: إنه حر يفعل ما يشاء، وليس لأحد من سلطان عليه، ولو كان السيد رضوان الحسيني نفسه! ولكنه لم يفكر لحظة واحدة في إغضاب السيد ولا تحديه، فأطبق جفنيه على عينيه المظلمتين، وقال بصوت منكر: هذا أمر الله!
فلاح الانزعاج في الوجه الصبيح وقال بحدة: بل أمر الشيطان! حرام عليك يا شيخ.
فغمغم المعلم قائلا: لما يأمر الله بالهدى! - لا تطع الشيطان يهدك الله لما فيه صلاحك، اهجر هذا الشاب، أو دعني أصرفه بسلام.
فانزعج المعلم وغلبه الجزع، ولم يعد يستطيع مداراة عواطفه، فقال بحزم: كلا يا سي السيد، لا تفعل.
فرمقه الرجل بنظرة استياء وازدراء، وقال بصوت ينم عن الأسى: أرأيت كيف تؤثر الغواية على الهداية؟! - ربنا الهادي!
وتولاه اليأس من هدايته، فقال متضجرا: أقول لك للمرة الأخيرة: اهجره، أو دعني أصرفه بسلام.
فقال المعلم بعناد وهو يتزحزح إلى طرف الكنبة كأنما يهم بالنهوض: كلا يا سي السيد، أضرع إليك أن تدع هذا الأمر حتى يأمر الله بالهداية.
فتعجب السيد من عناده الوقح، وتساءل متقززا: ألا يخجلك هذا الحرص على هذا الفعل الشائن؟!
Bilinmeyen sayfa