Liderler, Sanatçılar ve Yazarlar
زعماء وفنانون وأدباء
Türler
ولم يقف سيد درويش عند حد ترديد الأناشيد المدرسية، بل أخذ يحفظ أغاني الشيخ سلامة حجازي، وأدوار المطربين المشهورين في تلك الأيام، من أمثال محمد عثمان وعبده الحامولي وعبد الحي حلمي، وأتم حفظ القرآن وتجويده، وفي عام 1905 قدم إلى المعهد الديني في الإسكندرية طلب التحاق بالمعهد، نورد نصه عن كتاب «الموسيقار سيد درويش » لمؤلفه الأستاذ محمد إبراهيم، وقد سجل الكتاب طلب سيد درويش بالزنكوجراف كما يلي:
عرضحال بتاريخ 27 مارس سنة 1905 حضرة شيخ علماء إسكندرية فضيلتو أفندم، مقدمه لفضيلتكم سيد درويش البحر، من أهالي إسكندرية، ومقيم بكوم الدكة شياخة أحمد الضوي، وما نعرض عنه أفندم.
بحيث إني مشتغل بحفظ القرآن الشريف، وأروم من فضيلتكم بدرج اسمي مع الطلبة الموجودين تحت رياسة فضيلتكم، وعندي من العمر 13 سنة ثلاث عشرة، ومذهبي مالكي (وهنا حذف كلمة مالكي ووضع مكانه كلمة «حنفي»)، وإن قبلتم طلبي هذا أدعو لفضيلتكم بالعز والبقاء أفندم.
وأصبح سيد درويش طالبا بالمعهد، ووقع التعهد الذي يتحتم على الطالب الأزهري توقيعه، وينص البند الخامس من هذا التعهد على أن يحافظ الطالب على شرف العلم والدين، وأن يسير سيرة مرضية، وأن يتخلق بالأخلاق الكريمة، وأن يحافظ على جميع الواجبات المفروضة عليه بمقتضى الشريعة الإسلامية.
ومكث سيد درويش في المعهد الديني سنتين لم يستطع خلالهما أن ينفذ أي بند من بنود التعهد المطلوب من المنتسبين إلى المعهد؛ فقد أخذ يحفظ الألحان وينشد الأغاني، ويسهر في الحفلات التي يحييها المطربون والصبية والمقرئون المعروفون، كالشيخ أحمد ندا والشيخ حسن الأزهري، بل إنه لم يستطع خلال هذين العامين أن يرتدي الجبة والقفطان؛ فقد كان لا يملك ثمن الملابس الدينية، وفي إحدى الليالي كان الشيخ حسن غميض يحيي حفلة، وأخذ يرتل التواشيح الدينية، وبعده وقف الشيخ سيد وأنشد بعض الموشحات والأغاني بطريقة استهوت الآذان، واستخف الطرب بالموجودين، فجمعوا له نقطة اشترى بها عمامة وقفطانا وجبة.
وكان هذا أول عهد الشيخ سيد بالزي الديني، وآخر عهده بالمعهد الديني؛ فعقب ذلك قرر المعهد فصله لعدم مواظبته على حضور الدروس واشتغاله بقراءة الموالد في الأفراح.
وقرر الشيخ سيد أن يحترف الغناء والإنشاد، ولكنه اصطدم بعقبات شديدة؛ كانت أغلبية الجماهير لا تستسيغ أداءه، وكم أقام حفلات فلم تصادف أي إقبال من الجمهور.
وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره، تزوج وصار مسئولا عن زوجته وأمه وطفله محمد البحر، فاشتغل في فرقة «جورج دخول» المعروفة بفرقة «كامل الأصلي»، وكانت تعمل في أحد المقاهي بكوم الناضورة، ولم ينجح في عمله، فترك الفرقة وأخذ يطوف بالمقاهي ينشد الأغاني، وكان ما يجمعه طول الليل والنهار، لا يزيد على بضعة قروش.
واضطر إلى أن يشتغل عامل بناء، فخلع عمامته وجبته وقفطانه، وارتدى جلبابا أبيض، وكان يعمل في إحدى العمارات مناولا، يصعد فوق السقالة ويناول البنائين المونة والبياض، وكان في أثناء صعوده وهبوطه يرفع عقيرته بالغناء، ويثير إعجاب العمال! وكان بجوار العمارة مقهى يتردد عليه أمين عطا الله وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل الصغير من مزايا فنية، واتفقا معه على أن يصاحبهما في رحلتهما إلى سوريا، وألحقاه بفرقتهما عام 1909، وقد أفاد سيد درويش من هذه الرحلة علما وثقافة وإلماما بالموسيقى الشرقية، ولكنه أخفق في عمله، وفي عام 1912 سافر مرة أخرى إلى سوريا مع فرقة عطا الله، ونجح في هذه المرة نجاحا نسبيا، ولما عاد إلى الإسكندرية بدأ يحدد اتجاهه الموسيقي، ويتجه إلى المفهوم الصحيح للأغنية، وأخذ يصارع الظروف المادية والفنية بقوة وصلابة، حتى ذاع اسمه وصار حديث الناس كفنان مجدد، وصاحب مدرسة في الأغنية المصرية.
في عام 1917 انتقل سيد درويش إلى القاهرة، ومنذ ذلك التاريخ وقف تحت الأضواء العالية، وما أشد خوفه من هذه الأضواء! إنها ستظهره على حقيقته، وقد ينفر الناس من هذه الحقيقة، وقد يقبلون عليها، ولكن لا بد من أن تظهر حقيقة سيد درويش، إنه نفسه يريد ذلك، كان في هذا التاريخ قد اطمأن إلى موهبته، وكان إنتاجه الفني غزيرا، كانت الفكرة تنبض في رأسه وتخرج فورا؛ لأنها ترتطم بأفكار أخرى؛ فإن موهبته أكثر من معلوماته.
Bilinmeyen sayfa