Modern Çağda Reform Liderleri
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Türler
اتخذ جريدة «الطائف» بدل «التنكيت والتبكيت»، ونقل مكانها من الإسكندرية إلى القاهرة، وبدأها عنيفة قوية، تنقد تصرفات الخديوي إسماعيل في جرأة بالغة، وتشرح بؤس الفلاحين في السخرة والعذاب المهين الذي يلقونه من الرؤساء، وما شاهده بنفسه من أحداث، وكيف يخر الناس قتلى من الجوع والبؤس، والإعياء والضرب، وكل رئيس يريد أن ينال حظوة من فوقه بالمغالاة في التعذيب.
وكان عبد الله نديم في هذه الصحيفة يعبر عن آراء النواب في ضرورة الإصلاح عن طريق الحكم النيابي؛ وقد كتب سلطان باشا رئيس النواب إلى إدارة المطبوعات أن تعتبر جريدة «الطائف» لسان النواب المعبر عن أفكارهم، فاعترفت الإدارة بذلك، ونشر هذا رسميا بأمر نظارة الداخلية، ولكن لما رأت إدارة المطبوعات عنفه وتهييجه عطلته شهرا.
أصبح «الطائف» في الثورة العرابية لسان الدعاية لها، يقدم من عاداها، ويشجع من والاها، ويلقب «عرابي» بحامي حمى الديار المصرية، ويتطور بتطورها فينقد الأوروبين وتصرفاتهم، وينقد الخديوي توفيق لارتمائه في أحضانهم، وفي أسلوب لاذع وتهكم ساخر، فإذا كانت الحرب نقل جريدة «الطائف» إلى المعسكر يحرض الجنود على القتال، ويحرض الشعب على تقديم المئونة، وينشر خبر التبرعات وكلما اشتد الأمر واشتد في تهييجه؛ وقد قلت صفحاتها لاشتداد الظروف: من أربع إلى اثنتين إلى واحدة، وهو يهرج في أخبار الحرب، فيقلب أخبار هزيمة المصريين إلى أخبار انتصار، وانتصار الإنجليز إلى أخبار هزيمة، وظل كذلك حتى تمت الهزيمة، وتم التسليم.
هذا عمله في الصحافة، وإلى جانب ذلك كان عمله في الخطابة.
فقد طاف في كل مجتمع يخطب، وأعطى من ذلاقة اللسان ما يستدعي العجب، فما هو إلا أن يحرك لسانه حتى يتدفق وتنهال عليه المعاني والألفاظ انهيالا، وقد نشر في البلاد فن الخطابة، وعلم كثيرا من الناشئة أن يخطبوا في المحافل؛ وأعطى لهم المثل بمقدرته وكفايته، وبدأ ذلك أيام كان يعلم الإنشاء والأدب، في مدرسة الجمعية الخيرية في الإسكندرية. فلما أعلن الدستور في أول عهد توفيق (7 فبراير سنة 1882)، سرت في النفوس هزة فرح لا تقدر، وأمل الناس أن الحكم النيابي سيصلح كل مفاسد الماضي، ويرسم كل وسائل السعادة للحاضر والمستقبل - واشتاق الناس أن يسمعوا الكلام الكثير في هذا الموضوع ، فكان عبد الله نديم وصحبه وتلاميذه الذين يغنون للناس بآمالهم، فأقيمت الحفلة تلو الحفلة إليها النديم وفرقته ليخطبوا والنديم هو قطب الرحى. يخطب أولا، وكلما خطب خطيب وتناول موضوعا قام النديم بعده يعقب عليه، ويتخذ من كلامه موضوعا يطنب فيه، وفي هذه الحفلات يحضر النظار وكبار الضباط والعلماء والنواب والأعيان، فتطرب نفوسهم لهذا طربهم من عبده الحمولي ومحمد عثمان.
هذه حفلة تقيمها جمعية المقاصد يفتتحها «النديم» بقصيدة، ثم يشكر الجمعية على احتفالها بالدستور، ويتلوه إبراهيم اللقاني فيبين الفرق بين عهد الاستبداد وعهد الشورى، فيعقبه النديم يكمل موضوع الفروق بين العهدين؛ ثم يقوم الشاب مصطفى ماهر - باشا فيما بعد - فيتكلم في الحث على الاجتهاد في العلوم والفنون، ويستحث الأغنياء على إنشاء بنك أهلي يحمي الأهالي من استغلال المرابين، ويختم ذلك بالدعوة إلى الألفة والاتحاد، فيقوم بعده النديم يتكلم في هذا الموضوع، ثم يقوم الشيخ محمد عبده فيبين مزايا الحكومة النيابية، ويطالب بوجوب أن يكون النواب من المتعلمين، ويحث على تعميم التعليم، وعلى احترام حرية القول والكتابة، وسن القوانين المبينة لحقوق الأفراد وواجباتهم، ويقوم «النديم» بعده معقبا على قوله، ثم يقوم أديب إسحاق فيتكلم في شعور النواب وتضامنهم مع النظار في كل ما يجلب الخير للبلاد، ويتلوه النديم؛ ثم يقوم فتح الله أفندي صبري (فتحي باشا زغلول) فيخطب في الحث على الاتحاد والثبات، وينتهي هذا الاجتماع.
وتتكرر أمثال هذه الاجتماعات، ويقال فيها مثل هذه الخطب، ويقوم بالدعوة إليها كبراء البلد، وكلها على غرار الحفلات السابقة، عمادها عبد الله نديم وإن اختلفت بعض الموضوعات، كدعوة إبراهيم اللقائي إلى التمسك بأسباب القوة والاتحاد، والحث على مجانبة الخوف والجبن، وخطبة فتحي زغلول في الأخذ بالمبادئ التي تمدن البلاد، والدعوة إلى إنشاء جمعية تفتح مدارس ليلية يتعلم فيها من لم يسمح له عمله بالتعلم.
ويدعى عبد الله نديم إلى حفلة في الإسكندرية على هذا الطراز، وكل هذه الحفلات توصف في جريدة الوقائع المصرية، ويذكر فيها خلاصة ما دار فيها من خطب، فتنشر في البلاد.
فلما عطل الدستور؛ وتطورت الأمور، وكانت الثورة العرابية، تحولت خطب عبد الله نديم إلى موضوع الثورة، وكان يخطب في كل مجتمع: في الأزهر وطلبته، والجيش وجنوده، وفي حفلات «الأفراح»، فما يكون مجتمع لغرض من الأغراض إلا ويطلع عليهم عبد الله نديم، وجماعة من ناشئته يعتلون المكان العالي ويخطبون في موضوعات الثورة، حتى كان إذا سئل محمد عثمان «المغني»: أين تغني الليلة؟ يقول: «في الفرح الفلاني مع عبد الله نديم». وهو في هذا الموقف لا يتحرج من التهريج، فيقول مثلا في بعض خطبه: إن طوابي الإسكندرية إذا أطلقت مدافعها يبلغ مرماها جزيرة قبرص من هذا الجانب، ومدافع الآستانة إذا أطلقت تبلغ هذه الجزيرة من الجانب الآخر. فكيفما جالت الأساطيل الإنجليزية فهي تحت رحمة مدافعنا، فيصفق الناس؛ ويخطب «فتحي زغلول» فيقول النديم: ألا تعجبون لما أبدى هذا التلميذ في خطبه من العلم والبيان والتفنن في المواضيع، مع أن جلادستون خطيب إنجلترا لا يتناول إلا موضوعا واحدا؟! ويخطب مصطفى ماهر فيقول النديم: أشهدكم أيها الناس أن أمة يكون هذا مقدار استعداد التلميذ فيها لا يغلبها أحد في أمرها.
على كل حال كان عبد الله نديم لسان الأمة في عهده بخطبه، وقلمها بصحفه، ينتقل في الأقاليم ولا يكل ولا يمل، وينشر آراءه ومشاعره في أكبر عدد ممكن من الأمة؛ وبذلك كله ساعد نمو رأي عام مصري يؤمن بالحكم الشورى، ويتطلع إلى الإصلاح في الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإن كان السيد جمال الدين رسول الخاصة في هذه المعاني، فعبد الله نديم كان رسول العامة، قطر المعاني التي تدعو إليها جمال الدين إلى الشعب، وأوصلها إلى التاجر في متجره، والفلاح في كوخه، والتلميذ في مدرسته؛ كان السيد جمال الدين بحكم أرستقراطيته في نشأته وثقافته والبيئة التي تحيط به، ولغته في كلامه وكتابته، معلم الخاصة، وكان عبد الله نديم بحكم ديمقراطيته في النشأة والعلم والبيئة واللغة معلم العامة.
Bilinmeyen sayfa