Modern Çağda Reform Liderleri
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Türler
ثم قصة غني كبير بنى بيتا فخما، وأثثه أثاثا بديعا، وكان من أثاثه مكتبة كبيرة، فلما أتم ذلك كله عرضه على الزائرين، فسأله أحدهم عن المكتبة وما يحوي، ليعرف أي نوع من العلوم والفنون يهوى، فقال الغني صاحب البيت: لقد دخلت بيت فلان وفلان فرأيت في مضيفة كل منهم خزامة كتب عليها ستارة خضراء وبجانبها منفضة من الريش؛ والخادم كل يوم ينفضها ويسمح الزجاج الخزانة، فعلمت أن هذا طراز جديد في بناء البيوت وتأثيثها، فقلدتهم في ذلك، ولا علم لي بعلم أو فن. «وهكذا أصبح الكل نائما في غفلة التقليد». •••
نعم، هذا كله في العدد الأول من صحيفة «التنكيت والتبكيت»، نقد للسياسة العامة للبلد، ونقد للعيوب الاجتماعية الخاصة. كل ذلك في أسلوب يسترعي الانتباه، فقد التزم اللغة البسيطة السهلة عن تفكير وروية، فقال في فاتحتها: إنه لا يريد منها أن تكون منمقة بمجارات واستعارات، مزخرفة بتورية واستخدام، ولا مفتخرة بخامة لفظ وبلاغة عبارة ولا معربة عن غزارة علم وتوقد ذكاء، ولكن أحاديث تعودناها، ولغة ألفنا المسامرة بها لا تلجئ إلى قاموس الفيروز أبادي، ولا تلزم مراجعة التاريخ، ولا نظر الجغرافيا، ولا تضطر لترجمان، يعبر عن موضوعها، ولا شيخ يفسر معانيها، وإنما هي في مجلسك كصاحب يكلمك بما تعلم، وفي بيت كخادم يطلب منك ما تقدر عليه، ونديم «يسامرك بما تحب وتهوى».
ثم هو يدرك أن في الناس خاصة وعامة، وكل يحب أن يقصد إلى تغذيته بالأدب، وأشعاره بوجوه النقد، لذلك يختار موضوعات الخاصة فيكتبها باللغة الفصحى كموضوع «الداء الإفرنجي» فهو موضوع دقيق لا يقدر قدره إلا الخاصة؛ أما الفلاح والمرابي وسماعوا القصاص فمكتوبة للعامة، فيجب أن تكتب بلغتهم العامية، وهو في اللغة العامية ماهر كل المهارة، ويعرف أمثالهم وأنواع كلامهم، ويضع على لسان الخادم والسيد والمرأة والرجل، والفقير والغني، والماكر والمغفل، وما يليق به، في دقة أحكام وظرف.
ثم هو قد فطن لشيء جليل القدر، وهو أن التعليم والنقد من طريق القصص أجذب للنفس وأفعل في النقد، فأكثر منه بل كاد يتلزمه .
لذلك كله نجح في صحيفته، ووصل نداؤها إلى أكبر عدد ممكن، فمن كان قارئا قرأ، ومن لم يكن قارئا سمع ففهم.
ولم يكتف بذلك، بل نراه في عدد تال يلتفت التفاتة لها خطرها في الإصلاح السياسي والاجتماعي، وهي أن من أهم بين أسباب غفلة الشرق ضعف الخطابة، واقتصارها - تقريبا - على خطب المساجد، وهي خطب لا تمس الحياة الواقعة بحال من الأحوال، وإنما هي عبارة دينية محفوظة، ومعان متكررة مألوفة، لا تحرك قلبا ولا تضيء حياة.
فكتب مقالا قويا في قيمة الخطابة وأثرها في تاريخ الإسلام، ودعا إلى أن يحضر خطب المساجد أعرف الناس بشئون الحياة، وأقدرهم على التأثير، وأن تشرح هذه الخطب الموقف الحاضر في وضوح، وتبين الأخطار المحيطة بالأمة في جلاء، وأن يتبرع القادرون بقدر من المال يخصص لهذا الغرض، ويتفقوا مع ديوان الأوقاف ليسمح بإلقاء هذه الخطب في المساجد، ثم تطبع وتنشر في أنحاء البلاد، ليصل صداها إلى كل قرية وبلدة، وأعلن استعداده للاشتراك في إعدادها، ووضع خطبة نموذجية توضح غرضه، تتضمن المحافظة على حقوق البلاد والنهي على الظلم والبغي، والدعوة إلى الائتلاف لمواجهة الأخطار التي تظهر دلائلها في الأفق، والاتحاد مع المواطنين ما غير نظر إلى اختلاف الدين، والتذكير بمجد مصر السابق، والالتفاف حول الخليفة والخديوي، والتحذير من تمكين الأجنبي من وضع يده على سياسة البلاد، والتحرز من إتيان عمل يتخذه وسيلة لتدخله ومعاملة النزلاء الأجانب بالحسنى، ومن حفظ حقوق تجارتهم وعدم الإساءة إليهم.
هذه هي المعاني التي رأى أن الحاجة ماسة إليها في ذلك الوقت (في أول حكم الخديوي توفيق قبيل الثورة العرابية)، صاغها صياغة دينية تناسب صلاة الجمعة فبدأها بالحمد لله، والثناء على رسوله، وختمها بالحديث الشريف: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». - وقد حقق «الراديو» أخيرا فكرة عبد الله نديم في إذاعة الخطبة شكلا، ولكن لما تتحقق فكرية موضوعه.
وانتهت هذه الصحيفة على هذا الموضوع.
3
Bilinmeyen sayfa