179

القتال والإجلاء. ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ) كقتل قريظة وسبيهم ، وضرب الجزية على غيرهم. وأصل الخزي ذل بما يستحيا منه ، ولذلك يستعمل في كل من الذل والاستحياء ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) الذي أعده الله لأعدائه ، وهو العذاب الذي لا روح فيه مع اليأس من التخلص ، لأن عصيانهم أشد ، ولهذا أكد هذا الوعيد بقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) أي : الله سبحانه لا يغفل عن أفعالهم ، بل هو حافظ لها ومجاز عليها. وقرأ عاصم في رواية المفضل : «تردون» على الخطاب ، لقوله تعالى : ( منكم )، وابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ويعقوب : «عما يعملون» بالياء ، على أن الضمير ل «من».

واعلم : أن هذه الآية لا تقتضي صحة اجتماع الإيمان والكفر الذي هو مناف للمذهب الصحيح ، لأن المعنى أنهم أظهروا التصديق ببعض الكتاب والإنكار ببعض. وفيها تسلية لنبينا صلى الله عليه وآلهوسلم في ترك قبول اليهود قوله وانحيازهم عن الإيمان به ، فكأنه يقول : كيف يقبلون قولك ويسلمون لأمرك ويؤمنون بك وهم لا يعملون بكتابهم مع إقرارهم به وبأنه من عند الله تعالى؟!

( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، ورضوا بها عوضا من نعيم الآخرة ( فلا يخفف عنهم العذاب ) بنقص الجزية في الدنيا ، وتهوين التعذيب في الآخرة ( ولا هم ينصرون ) أي : لا ينصرهم أحد بدفعهما عنهم.

( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87))

Sayfa 184