============================================================
نظرية إشكالية واسعة، تضم مستويات متعددة من التعليل النحوي، تشمل الصوت والصرف والدلالة. ولحسن الحظ، فنحن نمتلك عملين عنيا بالاشتقاق ، يرد كل منهما على الآخر، وهما رسالة "الاشتقاق" لأبي بكر محمد بن السري بن السراج المتوفى سنة 316)، وكتاب "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي المتوفى سنة 340 .
ويبدو أن التأمل بالاشتقاق يعود إلى استسهال بعض اللغويين وإسرافهم في تعليل أصول المفردات اعتمادا على التشابهات اللفظية والصوتية فقط، مع إهمال بقية المستويات اللغوية. على سبيل المثال، ذهب بعض اللغويين إلى أن أصول كلمة "اسم" تكمن في كلمة "اسمة" ، مستمدا هذا من التشابه الصوتي بين المفردتين، فالاسم هو سمة الإنسان وشعار له. لكن الزجاج لاحظ أن هذا الاشتقاق خطأ، لأن المادة الثلاثية للاسم هي "سمو" ، أما المادة الثلاثية للسمة فهي "وسم" . وهكذا لا بد ألا يقتصر التشابه على المادة الصوتية، بل ينبغي أن يشمل المستويين الصرفي والدلالي أيضا. "وهذا لا يفهمه من لا يحسن التصريف"(1)، كما يقول ابن السراج.
ولكن سرعان ما ترتبت على نظرية الاشتقاق نتائج نظرية ذات أهمية خطيرة اا حينئذ. فنظرية الاشتقاق لم تكن عملا لغويا خالصا، بل هي تلامس موضوعات ظرية لها صلة ببعض الثوابت الثقافية التي كانت سائدة . أولا هل للاشتقاق سقف ينتهي عنده، أم أنه يشمل جميع مفردات اللغة. فقد اختلف اللغويون في ذلك اختلافا كبيرا، لأن بعضهم نفى حصول الاشتقاق أصلا، وبالغ آخرون بالقول إنه ي لي مفردات اللغة بأسرها. في حين توسط الجمهور الأغلب من اللغويين بالقول ان بعض الكلام مشتق وبعضه "أصل" ثابت للاشتقاق. وقد يمر اللغوي الحديث بهذه القضية مرورا عابرا، لأن اللغات كما صرنا نعرف حديثا إنما هي تتويج لمراحل سابقة من التطور، ربما تكون موغلة في القدم. أما قديما فقد كان ينظر الى اللغة من خلال نظرية "التوقيف"(2).
(1) ابن السراج: رسالة الاشتقاق ص 20 .
(2) من الناحية النظرية البحت، ترى البحوث اللغوية القديمة أن "اللغة الأولى" كيان سماوي معطى من الله . لكن الأبحاث اللغوية الحديثة ترى أن هذا التناول "ميتافيزيقي" أو غيبي، لأننا -
Sayfa 57