Zeytin Ağacı ve Meşe
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
Türler
ولا يملك القارئ في النهاية إلا أن يسأل: كيف تتحول الكلمة الشعرية والأدبية بدورها إلى فعل يغضب ويقاوم ويغير؟ متى تتعلم من أطفال الحجارة، وتعيد النظر في شكلها ومضمونها والهدف منها، وتستعيد قدرتها على الإنقاذ والإيقاظ من كهوف الركود والتبلد والهوان؟ ومتى تتخلص من تجاربها العبثية والنرجسية المتهافتة، وتجرب أن تساعد متلقيها على الإجابة الضرورية على السؤال الكبير الوحيد، في مواجهة الذين يقتلعون جذورها، ويدمرون بيوتنا، ويحطمون جسورنا، ويشوهون تاريخنا، ويسرقون حاضرنا ومستقبلنا: هل نوجد أو لا نوجد؟
سوف نوجد حتما ونزدهر، وننتزع الاحترام من الآخرين يوم نتعلم ونتكلم لغة الفعل، لغة الجذر والجسر والحجر، لغة الشعر الذي يبقى ويعمر؛ لأنه يؤثر ويغير.
الفصل السادس
حوار مع عادل قرشولي
- يشرفنا ويسعدنا في هذه الأيام بزيارته لمصر الشاعر المرموق في اللغتين الألمانية والعربية، والعالم الكبير في الأدب الألماني الحديث، الدكتور عادل قرشولي الذي ينحدر من أصل سوري، ويعيش ويعمل ويبدع منذ مطلع الستينيات إلى اليوم الحاضر في مدينة ليبزيج. التحق في ذلك الحين بمعهد الأدب في هذه المدينة العريقة؛ ليدرس الأدب الألماني، ويتخصص في علوم المسرح وفنونه، ثم حصل على الدكتوراه برسالة عن تلقي مسرح بريشت في العالم العربي في سنة 1970م. والجدير بالذكر، والفخر أيضا، أنه تولى في هذا المعهد نفسه - بعد تخرجه عام 1964م - تدريس الأدب الألماني الحديث في جامعة ليبزيج، قبل أن يعمل في معهد الاستشراق من عام 1969م، حتى تفرغه للكتابة الحرة منذ سنة 1993م. وقد صدرت له حتى الآن خمس مجموعات شعرية باللغة الألمانية، هي على الترتيب: كحرير من دمشق (1968م)، وعناق خطوط الطول (1978م)، ووطن في الغربة (1984م)، ولو لم تكن دمشق (1992م)، وهكذا تكلم عبد الله (1995م)، بالإضافة إلى ديوانين بالعربية؛ «الخروج من الذات الأحادية»، نشره اتحاد الكتاب العرب في دمشق سنة (1985م)، و«موال في الغربة» الذي صدر في ألمانيا، عام (1967م).
حصل الشاعر عن إنتاجه الأدبي والعلمي على جائزتين رفيعتين هما؛ «جائزة الفن» التي تعتبر الجائزة الأدبية الكبرى لمدينة ليبزيج سنة 1985م، وجائزة «أدالبير فون شاميسو» التي قدمتها له أكاديمية الفنون في مدينة ميونيخ سنة 1992م، وهي أهم جائزة تقدم لكاتب من أصول أجنبية؛ تقديرا لإنتاجه الذي يمثل إغناء للأدب الألماني.
وعادل قرشولي شخصية فريدة ذات جوانب متعددة، هي أشبه بشجرة شعرية وارفة، حاولت - ونجحت في محاولتها المضنية نجاحا مذهلا - أن تمد جذورها في تربة وطنين، وترتوي من ينابيع تراثين، وتنشر ظلالها الندية فوق أدبين وعالمين وحضارتين ولغتين. وإذا كانت الغربة هي الموضوع الأساسي والإشكالية الكبرى، التي طبعت جهوده الإبداعية والنقدية بطابعها وحركتها في دوائرها، فإنه بشعره وفكره وحياته - وسط الصراعات والتناقضات، والمصادمات التي لم تتوقف سيطرتها على العالم وتعذيبها للبشرية - يمثل في تقديري جسرا عظيما ممدودا بالمودة والتواصل والمشاركة الإنسانية العميقة بين شاطئين يبدوان متباعدين أشد التباعد، وإن كان الشعر والحب يقرب بينهما كل القرب. ولا شك أن مثل هذه الحياة الخصبة التي أغناها صاحبها بإنتاجه الغزير في الشعر والدراسة والترجمة من وإلى اللغتين - أو قل الوجودين الحميمين في وقت واحد - لا شك أنه يثير تساؤلات لا آخر لها عن مواجهة الغريب لغربته وتحديه لها، ثم تجاوزها، لا سيما في ديوانه الأخير الذي سبقت الإشارة إليه، إلى آفاق إنسانية تتسم بالشمول والعمق معا. ومن هذه التساؤلات كان حواري معه عن قليل من كثير، يوحي به فكره وإنتاجه ونجاحه في انتزاع الاعتراف، والإعجاب به من الآخر؛ من ذلك إشكالية الكتابة بلغتين، والعلاقة بين الذات والآخر، وانعكاس الفكر الجدلي على صوره الشعرية التي ظلت محتفظة بسحرها الشرقي والغربي، بجانب السؤال عن تأثير بريشت عليه، فضلا عن بعض الشعراء والنقاد الألمان الذين احتفوا به، وكتبوا عنه، وأصبحوا من أعز أصدقائه، دون أن أنسى، قبل ذلك كله وبعده، مواقفه الشجاعة من بعض القضايا القومية التي لم يتردد لحظة عن التعبير عن آرائه الجريئة فيها، دفاعا عن الحق، وتصديا للتحيز المسبق والإعلام المغرض .
بعد السلام والترحيب به في وطنه الثاني، والعودة بالذاكرة إلى اللحظات النادرة، من اليوم العشرين من شهر مارس الماضي، التي قضيناها - زوجتي وأنا - في ضيافته ببيته العامر بالدفء في ليبزيج، ونحن في طريقنا إلى مدينة فيمار، بدأت بسؤاله عن إشكالية الكتابة بلغتين، وكيف توصل - بعد كفاح طويل - إلى استيعاب اللغة الأجنبية إلى حد التفكير والشعور من خلالها، وكتابة الشعر بها، وترجمة بعض روائع الشعر والمسرح العربي الحديث إليها، فضلا عن ترجمة بعض روائعها المسرحية والشعرية - لبريشت وغيره - إلى لغته العربية، فتفضل بقوله: لا شك أن هذه إشكالية معقدة ومتشابكة جدا، وهي تختلف في حقيقة الأمر من تجربة إلى أخرى، كما أنها ليست ظاهرة جديدة في الأدب العالمي، وإنما ترجع إلى العصور القديمة؛ فهناك كثيرون كتبوا باليونانية واللاتينية مع، وفي العصور الحديثة كتب بيكيت مثلا بالإنجليزية والفرنسية، كما كتب بيتر فايس بالسويدية والألمانية، حتى إن الشاعر راينر ماريا رلكه كتب قصائد بالفرنسية.
أنا شخصيا لم أكتب القصيدة الألمانية إلا بحكم الضرورة، بل أكاد أقول بحكم الصدفة؛ فقد أتيت إلى ألمانيا في مطلع الستينيات، وكانت لي تجربة شعرية غضة باللغة العربية انشرخت قبل أن تكتمل وتتكون لها ملامح متفردة. وقد اعتبر بعض الأصدقاء الذين يكبرونني في السن أنها كانت تجارب متميزة بالنسبة لجيلي آنذاك، ولذلك ضممت إلى رابطة الكتاب العرب في تلك الفترة في الخمسينيات. وأنت تعرف أن هذه الرابطة كانت تضم أصواتا أدبية هامة معبرة عن تلك المرحلة؛ نذكر منها: البياتي، وحنا مينا، وشوقي بغدادي، وعبد الرحمن الشرقاوي، على سبيل المثال لا الحصر. لم تكن قصائدي الأولى في الحقيقة ذات نبرة مرتفعة، بل كانت على العكس تماما تتميز نتيجة قراءاتي الأولى للشعراء الرومانسيين العرب أمثال جبران، وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، والأخطل الصغير، وأمين نخلة، وأحمد زكي أبي شادي، وشعراء المهجر اللبنانيين بصفة خاصة، أقول تتميز بإيقاعات هامسة. وقد بدأ توجهي للقصيدة السياسية في حقيقة الأمر بعد العدوان الثلاثي على مصر، وكنت آنذاك في العشرين من العمر، ومن يقرأ قصائدي في تلك المرحلة يرى أنها كانت تحاول المزاوجة بين الرومانسي والسياسي، ولي مثلا قصيدة عن جميلة بوحريد، نشرت مع قصائد مماثلة عن هذه المجاهدة الجزائرية في القاهرة، سنة 1957م أو 1958م، على ما أذكر، إلى جانب قصائد للشرقاوي، وحجازي، وصلاح عبد الصبور، وفؤاد حداد، وفي هذه القصيدة كنت أحاول أيضا هذه المزاوجة. - هل تذكرون نص هذه القصيدة أو غيرها مما يمثل تلك المرحلة؟ - هذه أولا هي قصيدة «يد الفارس»، التي ترجع إلى عام 1958م، وكنت قد أهديتها إلى المجاهدة الجزائرية العظيمة:
يا يدا تطرق أبواب السجون!
Bilinmeyen sayfa