147
ولا بشرٌ يسمو إليه بطرفِهِ ... ودون حجاب النّور خلق مؤيَّدُ ملائكة أقدامهم تحت أرضِهِ ... وأعناقهم فوقَ السَّموات صعدُ فمن حاملٍ إحدَى قوائم عرشه ... بأيد ولولا ذاكَ كلوا وبلدوا قيام علَى الأقدام عانين تحته ... فرائصهم من شدَّة الخوف تُرعدُ فهم عند ربّ ينظرونَ لأمرِهِ ... يُصيخون بالأسماع للوحيِ رُكَّدُ أميناه روح القدس جبريل منهما ... وميكال ذي الرّوح القويُّ المُسدّدُ ملائكة لا يفترون عبادةً ... كروبيّةٌ منهم ركوعٌ وسُجْدُ فساجدهم لا يرفع الدَّهر رأسه ... يُعظّمُ ربًّا فوقه ويُمجِّدُ وراكعهم يحنو له الظهر خاشعًا ... يردِّدُ آلاء الإله ويحمدُ ومنهمْ ملفٌّ في جناحيه رأسه ... يكادُ لذكرَى ربّه يتفصَّدُ وحُرَّاسُ أبواب السَّموات دونَهُ ... قيامٌ لديه بالمقاليد رُصَّدُ ودون كثيف الملك في غامض الهَوَى ... ملائكةٌ تنحطُّ فيه وتصعدُ وبين طباق الأرض تحتَ بطونها ... ملائكة بالأمرِ فيها تردّدُ فسبحان من لا يقدر الخلق قَدْرَهُ ... ومن هو فوق العرش فرد مُوحدُ وأنى يكون الخلق كالخالق الَّذي ... يدومُ ويبقَى والخليقةُ تنفذُ وليس لمخلوقٍ علَى الخلقِ جِذّهُ ... ومن ذا علَى مرِّ الحوادثِ يخلدُ فيفنَى ولا يبقى سوى القاهر الَّذي ... يُميتُ ويُحيي دائمًا ليسَ يهمدُ تسبحهُ الطَّيرُ الكوامنُ في الخفَى ... وإذْ هي في جوّ السَّماء تُصَعَّدُ ألا أيُّها القلب المقيم علَى الهَوَى ... إلى أي هذا الدَّهر منك التصدُّدُ ألا إنَّما الدُّنيا بلاغٌ وبلغةٌ ... وبينا الفَتَى فيها مهيبٌ مُسودُ إذا انقلبت عنه وزالَ نعيمها ... وأصبحَ من تربِ القبورِ يوسَّدُ وفارق روحًا كانَ بينَ حياتِهِ ... وجاورَ موتى ماله مُتبدَّدُ فأيّ فتًى قبلي رأيتم مخلدًا ... لهُ في قديمِ الدَّهرِ ما يتزودُ ولن تسلم الدُّنيا وإن ضنَّ أهلها ... بصحبتها والدَّهر قد يتجدّدُ ألست ترَى فيما مضَى لك عبرة ... فَمَهْ لا تكن يا قلبُ أعمَى تلددُ فقد جاءَ ما لا ريبَ فيه من الهدى ... وليس يرد الحقّ إلاَّ مفندُ فكن خائفًا للموت والبعث بعده ... ولا تكُ فيمن غرَّه اليوم أوْ غدُ فإنَّك في دنيا غرور لأهلها ... وفيها عدوٌّ كاشحُ الصَّدرِ يوقِدُ من الحقد نيران العداوة بيننا ... لأن قال ربي للملائكة اسجدوا لآدم لما كمل اللهُ حقّه ... فخرّوا له طوعًا سجودًا وكددُوا وقال عدوّ الله للكبر والشقا ... لطين علَى نارِ السّموم فسوَّدوا فأخرجه العصيان من خير منزلٍ ... فذاك الَّذي في سالف الدَّهر يحقدُ علينا ولا نالوا خبالًا وحيلةً ... لنوردها نارًا عليها سيوردُ جحيمًا تلظى لا يقترّ ساعةً ... ولا الحرّ منها آخر الدَّهر يبردُ فما لك في الشَّيطان والنَّار أسوة ... إذا ما صليتَ النَّارَ بل أنتَ أبعدُ هو القائد الدَّاعي إلى النَّارِ لابثًا ... ليوردنا منها ويَتوردُ فما لك في عذرٍ وطاعةِ فاسق ... وما لك في نار صليتَ بها يدُ وقال أيضًا: الحمدُ لله الَّذي لم يتَّخذ ... ولدًا وقدَّر خلقهُ تقديرا وأعوذُ باللهِ العليّ مكانه ... ذي العرش لم أعلم سواه مجيرا من حرِّ نار لا يفترّ عنهم ... وهنًا أُعدت للظّلوم مصيرا فيها السَّلاسل والعذابُ لمن طغَى ... يدعون منها حَسرةً وثبورا لا يسمعنَّ حسيسها يا ربّنا ... يومًا نغيطٌ شهقةً وزفيرا قد تأمرون القسط في أعمالهم ... لا يظلمون لذي الحساب نقيرا فاغفر لي اللهم ذنبي كلّه ... أما أبيتُك يومَ ذاك فقيرا وقال أيضًا: لكَ الحمدُ والمنّ ربّ العبا ... د وأنت المليك وأنتَ الحكمْ أمرت بالإنسان من نُطفةٍ ... تُخلق في البطنِ بعدَ الرّحمْ وإنِّي أدينُ لكم إنكم ... سيصدقكم ربُّكم ما زعمْ ولستم بأحسن صنعًا ولا ... أشدَّ قوى صُلُبٍ من أَدَمْ

1 / 147