خليليَّ مرَّا بي قليلًا لتؤجَرا ... وأنْ تكسَبا خيرًا منَ الحمدِ والأجرِ
فقالا اتَّقِ اللهَ العليَّ فإنَّما ... تُصلِّيكَ أسبابَ الهوَى لهبُ الجمرِ
فقلتُ أطيعانِي فليسَ عليكُما ... حسابِي إذا لاقيتُ ربِّي ولا وِزرِي
عليَّ الذي أجنِي وليسَ عليكُما ... وربِّي أولى بالتَّجوُّزِ والغفرِ
أتحرقُني يا ربِّ إنْ عجتُ عَوجةً ... علَى رخصةِ الأطرافِ طيِّبةِ النَّشرِ
أما العذل الذي يقع ابتداء فليس على النَّفس منه من المؤونة كما عليها من عذل من أملت عنده من المعونة ولقد كسب هذا البائس على نفسه تعبًا كاسرًا لمنقلبه ومسقطًا لهمَّته باستدعائه المساعدة من ذكر قصَّته ومن هذا وأشباهه كرهنا للمحبِّ الاطلاع على أسراره ولكن متى غُلب على أمره لم يلم على إفشاء سرِّه.
ولقد أحسن أبو تمام الطائي حيث يقول:
فحْواكَ عينٌ علَى نجواكَ يا مَذِلُ ... حتَّامَ لا يتقضَّى قولكَ الخطِلُ
وإنَّ أسمجَ مَنْ تشكُو إليهِ هوًى ... مَنْ كانَ أحسنَ شيءٍ عندهُ العذلُ
وقال يزيد بن الطثرية:
تذكَّرتُ ذاتَ الخالِ مِنْ فرطِ حبِّها ... ضُحًى والقِلاصُ اليَعمُلاتُ بنا تخدِي
فما ملكتْ عينايَ حينَ ذكرتُها ... دموعَهما حتَّى انحدرنَ علَى خدِّي
فأنَّبني صحبِي وقالُوا أمنْ هوًى ... بكيتَ ولو كانُوا همُ وجدُوا وجدِي
وقالُوا لقدْ كنَّا نعدُّكَ مرَّةً ... جليدًا وما هذا بفعلِ فتًى جلدِ
ألا لا تلومُوني فلستُ وإنْ نأتْ ... بمُنصرمٍ عنها هوايَ ولا ودِّي
ألمْ تعلَمَا أنَّ الرَّعابيبَ لمْ تزلْ ... مَفاتينَ قبلِي للكهولِ وللمُردِ
فإنْ أغوَلا تُكتبْ عليكم غوايَتي ... أجلْ لا وإنْ أرشدْ فليسَ لكمْ رُشدي
وإنَّ لِذاتِ الخالِ يا صلحِ زُلفةً ... ومنزلةً ما نالَها أحدٌ غيرِي
وقال أيضًا:
ألا يا خليليَّ الَّذينَ تواصَيا ... بيَ اللَّومَ إلاَّ أنْ أُطيعَ وأسمعَا
قفا فانظُرا لا بدَّ مِنْ رجعِ نظرةٍ ... يمانيَّةٍ شتَّى بها القومُ أوْ معَا
لمُغتصبٍ قد عزَّهُ القومُ أمرهُ ... يكفُّ حياءً عبرةً أنْ تطلَّعا
فإنْ كنتمُ ترجونَ أنْ تصرِفوا الهوَى ... بِيهمَا ويُروَى في السَّرابِ فينقَعا
فردُّوا هبوبَ الرِّيحِ أوْ غيِّروا الهوَى ... إذا حلَّ ألواذَ الحشا فتمنَّعا
وقال ذو الرمة:
أعاذلَ قدْ أكثرتِ مِنْ قيلِ قائلٍ ... وعيبٌ علَى ذي اللُّبِّ لومُ العواذلِ
أعاذلَ قد جرَّبتُ في الدَّهرِ ما كفَى ... ونظَّرتُ في أعقابِ حقٍّ وباطلِ
فما الدَّهرُ مِنْ خرقاءَ إلاَّ كما أرى ... حنينٌ وتذارفُ الدُّموعِ الهواطلِ
وقال عدي بن زيد:
وعاذلةٍ هبَّتْ بليلٍ تلومُني ... فلمَّا غلتْ في اللَّومِ قلتُ لها اقصِرِي
أعاذلَ قد أطنبتِ غيرَ مُصيبةٍ ... فإنْ كنتِ في غيٍّ فنفسكِ فارْشِدي
أعاذلَ إنَّ الجهلَ مِنْ لذَّةِ الفتَى ... وإنَّ المنايا للرِّجالِ بمرصدِ
كفَى حزَنًا للمرءِ أيَّامُ دهرهِ ... تروحُ لهُ بالواعظاتِ وتغتدِي
وأنشدني أحمد بن يحيى لجميل بن معمر:
يقولونَ مهلًا يا جميلُ وإنَّني ... لأُقسمُ ما بي عنْ بُثينةَ مِنْ مهلِ
أحلمًا فقبلَ اليومِ كانَ أوانهُ ... أَمَ اخشَى فقبلَ اليومِ أُوعدتُ بالقتلِ
وقال آخر:
تقولُ العاذلاتُ تعزَّ عنها ... وداوِ غليلَ قلبكَ بالسُّلوِّ
وكيفَ ونظرةٌ منها اختلاسًا ... ألذَّ منَ الشَّماتةِ بالعدوِّ
وقال الطائي:
أذكتْ عليكَ شهابَ نارٍ في الحشا ... بالعذلِ وهنًا أُختُ آلِ شهابِ
عذلًا شبيهًا بالجنونِ كأنَّما ... قرأتْ بهِ الورهاءُ نصفَ كتابِ
وقال البحتري:
طفقتْ تلومُ وَلاتَ حينَ ملامهِ ... لا عندَ كرَّتهِ ولا إحجامهِ
لمْ يروِ مِنْ ماءِ الشَّبابِ ولا انجلتْ ... ذهبيَّةُ الصَّبَواتِ عنْ أيَّامهِ
وقال آخر:
مِنْ أجلكِ ظلَّ العائداتُ يلُمْنني ... ويزعمنَ أنِّي في طلابكِ عانِي
1 / 127