وفي حديث آخر: "اذا استجمرت فأوتر وإذا استنشقت فانثر" ١
معنى الاستجمار: الاستنجاء بالحجاره مأخوذ من الجمار وهي: الحجاره فأوتر: أي تمسح بالوتر منها ثلاث أو خمس وقوله: "إذا استنشقت فانثر" أي: إذا أدخلت الماء في أنفك فأخرج منه ما يبس واجتمع من المخاط فيه، وقول الشافعي ﵀ فيما حكى عنه المزنى في العظم٢ أنه لا يجوز الاستطابه به لأن الاستطابه طهارة والعظم ليس بطاهر.
يقول القائل: كيف قال: والعظم ليس بطاهر وهو عند الشافعي وغيره من الفقهاء طاهر؟ فالجواب فيه أن المزنى نقل هذا اللفظ عن كتاب الشافعي في الطهارات على المعنى لا على ما لفظ به الشافعي ﵀ ولفظه ما أخبرنا به عبد الملك بن محمد البغوي عن الربيع عن الشافعي ﵀ أنه قال: "ولا يستنجي بعظم للخبر فيه فانه وان كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر". قال: "ولا أعلم شيئا في معنى العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فانه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجى به". وهذا كله لفظ الشافعي٣، وظن المزني أن معنى النظيف والطاهر واحد فأدى معنى النظيف بلفظ الطاهر وليسا عند الشافعي ولا عند أهل اللغة سواء ألا ترى أن الشافعي جعل العظم والجلد إذا كانا غير مدبوغين طاهرين ولم يجعلهما نظيفين ومعنى النظيف عنده الشيء الذي ينظف ما كان من زهومه أو رائحة غمر كزهومة لحوم الحيوان وعظامها والأطعمه السهكه "*" والاشياء الكريهة الطعم والرائحه فهذه الأشياء وإن كانت طاهره فانها ليست بنظيفه ألا ترى أن الإنسان إذا أكل مرقه
_________
١- صحيح: أخرجه الترمذي برقم ٢٧" وابن ماجه ٤٠٦" والنسائي برقم ٤٣" وأحمد ٤/٣١٣، ٣٢٩، ٣٤٠" وغيرهم من حديث سلمة بن قيس.
والحديث مخرج في "كتاب الطهور" لأبي عبيد القاسم بن سلام بتحقيقي.
٢- المرجع السابق ١/ ١٤"
٣- انظر: "الأم" ١/ ١٩"
"*" سهك بكسر الهاء سهكا: كانت رائحته كريهة ويقال: لحم سهك وسمك سهك.
1 / 28