وقد أرسل خازن بيت المال للملك مؤبدار في بابل حاكما ما ليشنقني، وقد أقبل هذا الرجل ومعه الأمر بشنقي، وكان يعلم كل شيء، وقد شنقت بين يديه الأشخاص الأربعة الذين استصحبهم لشنقي، ثم سألته ما عسى أن يغل عليه شنقي من المال؟ قال: نحو ثلاث مائة دينار، فبينت له أنه يستطيع أن يكسب عندي أكثر من ذلك، ثم جعلته لصا مساعدا، وهو الآن من خيرة رجالي، وإنك لخليق إن أطعتني أن تنجح كما نجح، فلم تكن الظروف قط مواتية للسطو كما هي الآن بعد قتل مؤبدار.»
قال زديج: «قد قتل مؤبدار؟ وإلام صار أمر الملكة أستارتيه؟» قال أربوجاد: «لا أدري! وكل ما أعرفه هو أن مؤبدار قد جن ثم قتل، وأن بابل قد أصبحت موطنا للجرائم، وأن الدولة كلها قد ظهر فيها الفساد، وأن هناك سبلا إلى العمل، وأني قد أبليت بلاء حسنا وحقيقا بالإعجاب.» قال زديج: «ولكن أضرع إليك في أن تنبئني ألا تعلم من أمر الملكة شيئا؟» قال أربوجاد: «لقد حدثت عن أمير لأركانيا، وأحسب أنها بين إمائه إن لم تكن قد قتلت في الموقعة، ولكني أحرص على الغنيمة مني على الأنباء، وقد أخذت في غزواتي نساء كثيرات وبعتهن جميعا، وأنا أغالي بالحسان منهن دون أن أحتفظ بواحدة منهن أو أسأل عن أنبائهن، وليس من سبيل إلى شراء المراتب، وإن الملكة القبيحة لخليقة ألا تجد مشتريا، ولعلي قد بعت الملكة أستارتيه، ولعلها قد ماتت، لا يعنيني شيء من ذلك، وأنت خليق ألا تعنى بشيء من ذلك.» وكان يقول ذلك ويمعن في الشرب حتى اختلط عليه كل شيء، ولم يستطع زديج أن يعلم منه شيئا.
فلبث ذاهلا واجما قد أثقلته الهموم، وكان أربوجاد ممعنا في شربه ملحا في حديثه، معلنا دائما أنه أسعد الناس، ملحا على زديج أن يجعل نفسه سعيدا مثله، ثم دفعته الخمر إلى نوم هادئ هنيء، وأنفق زديج ليلته مضطربا أشد الاضطراب، وكان يقول لنفسه: «ماذا! لقد جن الملك وقتل! إني لأرثي له أشد الرثاء، لقد مزقت الدولة، وقاطع الطريق هذا سعيد، يا للحظ! يا للقضاء! إن اللص لسعيد، وإن أجمل من صورت الطبيعة يمكن أن يكون قد مات أبشع الموت، أو أن يكون قد كتبت عليه حياة شر من الموت! أي أستارتيه إلام صار أمرك؟»
فلما أسفر الصبح جعل يسأل كل من لقيه في القصر، ولكن الناس جميعا كانوا عنه في شغل فلم يرجع عليه أحد جوابا، وكان القوم قد أغاروا وغنموا أثناء الليل؛ فكانوا يقتسمون الغنائم، وكل ما استطاع أن يظفر به في هذا الاضطراب والاختلاط هو الإذن له بالسفر، فأسرع إلى الرحيل غارقا في تفكيره الأليم.
ومضى زديج أمامه مضطربا قلقا، فقد شغل عقله بالبائسة أستارتيه، وبملك بابل، وبخليله كادور، وباللص السعيد أربوجاد، وتلك المرأة الجامحة التي اختطفها البابليون على حدود مصر، ثم كل المصاعب والمصائب التي ألحت عليه.
الفصل السابع عشر
الصائد
فلما كان على مراحل من قصر أربوجاد، وجد نفسه على شاطئ جدول صغير، وهو يندب حظه ويرى أنه صورة صادقة للشقاء، ولكنه رأى غير بعيد منه صائدا نائما على الشاطئ ممسكا في فتور وبيد كسلى شبكته التي كان كأنه يهملها، وقد رفع عينيه إلى السماء وهو يقول:
إني لأشقى الناس جميعا، ما في ذلك من شك، لقد كنت عند أهل بابل أعظم باعة الجبن الأبيض، ثم حل بي الخراب، ولقد كانت زوجي أجمل امرأة أتيحت لرجل وقد خانتني، وقد بقيت لي دار ضئيلة حقيرة، فرأيتها تنهب وتدمر، وأنا الآن لاجئ إلى كوخ صغير، لا أجد سبيلا إلى الرزق إلا الصيد، ولكن لا أظفر بسمكة واحدة، أيتها الشبكة لن ألقيك في الماء بل سألقي نفسي فيه.
ثم ينهض ويسعى في هيئة الرجل الذي يريد أن يلقي نفسه في الماء ليختم حياته.
Bilinmeyen sayfa