والله أعلم بهذه المحالِّ منكم. فلو (^١) كانت الذوات متساويةً كما قال هؤلاء لم يكن في ذلك ردٌّ (^٢) عليهم.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣] أي هو سبحانه أعلم بمن يشكره على نعمته، فيخُصُّه بفضله ويمُنُّ عليه، ممن لا يشكره. فليس كلُّ محلٍّ يصلح لشكره، واحتمال منته، والتخصيص بكرامته.
فذواتُ ما اصطفاه الله واختاره (^٣) من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملةٌ على صفات وأمور قائمة بها ليست في غيرها، ولأجلها اصطفاها الله، وهو سبحانه الذي خصَّها (^٤) بتلك الصفات؛ فهو الذي أعطاها الصفات (^٥)، وخصَّها بالاختيار. فهذا خلقه، وهذا اختياره. ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨].
وما أبيَنَ بطلانَ رأي يقضي بأنَّ مكانَ البيت الحرام مساوٍ لسائر الأمكنة، وذاتَ الحجر الأسود مساوية لسائر حجارة الأرض، وذاتَ رسول الله ﷺ مساوية لذات غيره؛ وإنما التفضيل في ذلك بأمور خارجة عن الذات
(^١) ق، مب، ن: «ولو».
(^٢) ما عدا ق: «ردًّا»، وهو لحن لا يزال شائعًا، أعني: نصب اسم «كان» إذا كان خبرها شبه جملة.
(^٣) ما عدا ص، ج: «اختاره الله واصطفاه»، ورجَّحت ما أثبت لتقديم المؤلف الاصطفاء على الاختيار قبل قليل وفيما يأتي.
(^٤) ق، مب، ن: «فضَّلها»، وقد ذكرت هذه النسخة في حاشية ع.
(^٥) «فهو ... الصفات» ساقط من النسخ المطبوعة.