İsyan Edan Lider Ahmet Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Türler
فرواية عرابي عن تأسيس الحزب الوطني لا تختلف في جوهرها عن رواية نينيه. ويقول عرابي: إنه لما علمت الحكومة بوجود هذا الحزب شددت الرقابة على زعمائه وهددتهم واضطهدتهم، وكان الفريق شاهين كنج باشا وزير الحربية السابق من زعماء هذا الحزب، فاحتمى بالحماية الإيطالية وغادر مصر إلى إيطاليا، فصدر أمر الخديو في 14 يونيو سنة 1880 بتجريده من رتبه وألقابه، ومحو اسمه من دفاتر ضباط الجيش. وبني الأمر على أنه دخل في حماية دولة أجنبية دون أن يعطى له إذن بذلك، وأنه سافر من مصر بدون جواز سفر مستعينا بجواز سفر حصل عليه من حكومة أجنبية دون أن تعترف به الحكومة المصرية.
يتبين مما تقدم أن الحزب الوطني كان له أثر كبير في إظهار الثورة العرابية. وكانت بالإسكندرية جمعية أخرى عرفت بجمعية «مصر الفتاة» رفعت عريضة إلى الخديو بمطالب الحرية، وأنشأت جريدة «مصر الفتاة» للدعوة إلى الحرية، وهي الجريدة التي عطلتها الحكومة كما تقدم.
وثمة عامل آخر، يتصل بالأسباب السياسية، كان له أثره في التحريض على الثورة، ويعد من مقدماتها، وهو حدوث سابقة للثورة العرابية ... ونعني بها ثورة الضباط على وزارة نوبار باشا أواخر عهد إسماعيل في فبراير سنة 1879، فإن تلك الثورة هي صورة مصغرة للثورة العرابية، إذ قامت على أكتاف الضباط، وكان الباعث شكواهم من تأخير مرتباتهم وإحالة 2500 منهم إلى الاستيداع. فذهب نحو ستمائة ضابط منهم يتبعهم لفيف من طلبة المدرسة الحربية ونحو ألفين من الجنود إلى وزارة المالية، بحجة رفع ظلامتهم إلى نوبار باشا والسير ريفرس ويلسن وزير المالية وقتئذ، فهجموا على نوبار باشا واعتدوا عليه بالضرب، وكذلك اعتدوا على السير ريفرس ويلسن، واقتحموا أبواب الوزارة واحتلوا غرفها وقاعتها وحبسوا نوبار باشا ورياض باشا - وكان وزيرا للداخلية - والسير ريفرس ويلسن في إحدى غرف الدور الأعلى، وكانت نتيجة تلك الثورة سقوط وزارة نوبار، فهذا الفوز الذي أحرزه الضباط سنة 1879 قد أغرى عرابي وصحبه بالثورة سنة 1881.
الأسباب الاقتصادية
لم تكن الحالة الاقتصادية خيرا من الحالة السياسية، بل كانت أدعى منها إلى الثورة. فالديون التي اقترضها الخديو إسماعيل ألقت على البلاد عبئا جسيما من الأثقال الفادحة، واضطرت الحكومة إلى تخصيص نصف موارد الميزانية لسداد فوائد الديون. فكان ذلك سببا لتذمر الأهلين خاصتهم وعامتهم؛ لأن تخصيص هذا المبلغ الضخم، الذي يجبى كل عام من عرق الفلاح وكده، معناه حرمان الأهلين ثمرة جهودهم ومتاعبهم وإضاعتها لحساب الدائنين ... هذا فضلا عن فداحة الضرائب في مجموعها، وعدم توزيعها توزيعا عادلا، واقتضائها بوسائل القهر والإرهاب. فانضم الأهلون إلى الثورة وشايعوها آملين أن تخفف عنهم أعباء الضرائب، وكان استفحال نفوذ الأجانب عامة، واستحواذهم على مرافق البلاد الاقتصادية، مما دعا إلى تبرم الأهلين بنظام الحكم ... فإن الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها والمزايا التي نالها التجار والمرابون منهم، قد أكسبتهم الأموال الطائلة، فأثروا على حساب الخزانة المصرية وعلى حساب الأهلين.
وزاد في تذمر المثقفين والأعيان استسلام الحكومة في عهد وزارة رياض باشا لمطالب الدائنين وحكوماتهم، فقد أقرت نظام الرقابة الثنائية كما أملاه القنصلان الإنجليزي والفرنسي، وخولت الرقيبين الأوروبيين سلطة واسعة المدى في شئون الحكومة المالية، واتسع النفوذ الأوروبي داخل الحكومة بواسطة الرقيبين وخارج الحكومة؛ لاستجابتها لمطالب الماليين الأوروبيين والترخيص لهم باستثمار موارد البلاد ومرافقها الاقتصادية، فأنشئت في عهد وزارة رياض باشا عدة مؤسسات مالية واقتصادية، زادت في طغيان النفوذ الأوروبي في حياة مصر الاقتصادية، كالبنك العقاري - وقد تأسس في 15 فبراير سنة 1880 - وشركة تكرير السكر، والشركة العمومية لإجراء الأشغال بالديار المصرية، وشركة المقاولات وغيرها، وكلها شركات أجنبية برءوس أموال أوروبية، وأعضاؤها من الأوروبيين، وعقود تأسيسها التي صدرت بها الأوامر العالية لم تراع فيها مصالح الأهلين في شيء ... فهذا الإسراف في رعاية المصالح ورءوس الأموال الأوروبية، وتمكينها من التغلغل في كيان البلاد المالي والاقتصادي، كل ذلك كان له أثره في تبرم الناس بالوزارة، فضلا عن أنه كان في ذاته عملا غير صالح ولا يتفق والروح القومية. •••
وزاد الأعيان سخطا على الوزارة إلغاؤها «قانون المقابلة» فانضموا إلى صفوف المعارضة؛ ذلك أن إبطال ما كان يقضي به هذا القانون من إعفائهم من نصف المربوط على أطيانهم من الضرائب، فيه ضياع أموالهم التي أدوها للحكومة مقابل هذا الإعفاء، وقد كان أكثر الأعيان اعتراضا على هذا الإلغاء السيد حسن موسى العقاد، فقدم بذلك مظلمة إلى لجنة التصفية نشرها في جريدة «الريفورم» ووصف فيها هذا العمل بأنه استبداد، وأبان أن قانون المقابلة، وما احتواه من المزايا لدافعي الضرائب مقدما هو عقد لا يجوز نقضه من جانب الحكومة وحدها، وأن الأهالي قد احتملوا شدائد كثيرة في أداء المقابلة، وباعوا في هذا السبيل مصوغاتهم وأملاكهم واستدانوا الديون الفادحة، فكان لزاما على الحكومة أن ترد جميع ما أداه المالكون إلى أصحابه، بحيث لا يسري مرسوم الإلغاء إلا بعد رد ما أخذته الحكومة. فرأى رياض باشا أن في تقديم هذه المظلمة إلى لجنة التصفية ونشرها في جريدة «الريفورم» معنى التشهير بالحكومة وإثارة الأفكار عليها، وبخاصة لأن العقاد دعا الأهالي إلى توقيع عرائض بهذا المعنى، فأثر بالقبض عليه وقدمه للمحاكمة، فحكم عليه مجلس مصر الابتدائي بالحبس سنتين، وشدد المجلس الاستئنافي هذا الحكم، فزاده إلى خمس سنوات. ولم تكتف الحكومة بذلك، بل قضى «مجلس الأحكام» بنفيه إلى فازوغلي بأقاصي السودان، ونفذ فيه الحكم وسيق إلى فازوغلي ... ولم يفرج عنه إلا في عهد وزارة شريف باشا بعد إنشاء مجلس النواب، يضاف إلى ذلك صدور قانون التصفية - يوليو سنة 1880 - فقد ظهر فيه من التحيز للدائنين الأجانب والإجحاف بالأهلين ما زاد الناس كرها لوزارة رياض باشا، وزاد الأعيان والملاك سخطا عليها لما فرضته عليهم من زيادة ضريبة العشر على أطيانهم.
ومن مظاهر سياسة الحكومة الاقتصادية إنقاص عدد الجيش توفيرا للنفقات ... وهذا النقص كان له سبب آخر يتصل بالحالة السياسية، وهو صدور الفرمان السلطاني لتوفيق باشا مشتملا على إنقاص عدد الجيش العامل إلى 18 ألف جندي، ولكن السبب الاقتصادي كان له أكبر الأثر في هذا النقص؛ لأن عدد الجيش نقص إلى اثني عشر ألفا أي إلى أقل مما حدده الفرمان السلطاني، وقد استتبع هذا النقص إحالة كثير من الضباط إلى الاستيداع ووقوعهم في الضيق المالي، ولم تعن الحكومة بتدبير وظائف لهم تعوضهم عما نقص من رواتبهم، فانضموا بطبيعة الحال إلى الناقمين.
وشارك الموظفون ضباط الجيش في شعورهم، إذ رأوا من مظاهر اتساع سلطة الرقيبين الأوروبيين ما يثير في نفوسهم روح السخط والتبرم، وأهم هذه المظاهر ازدياد نفوذ الموظفين الأوروبيين في دور الحكومة، وزيادة عددهم، وتمييزهم بالمرتبات الضخمة ... فاستاء لذلك الموظفون الوطنيون.
وخلاصة ما تقدم أن الثورة العرابية هي من الوجهة السياسية ثورة على الاستبداد والمظالم، ومن الوجهة الاقتصادية ثورة على التدخل الأوروبي في شئون مصر المالية، وعلى النظم الاقتصادية التي كانت تعانيها البلاد قبل الثورة.
Bilinmeyen sayfa