فدعاه الاطلاع على بيان القضية، وعلى تعليقنا، إلى الاستفسار طلبا للمزيد من الإيضاح، وفي كتابه الذي أرسله إلينا بهذا الصدد يقول:
إنني بمجرد قراءتي لتلك القصة قامت بعقلي شبهات، ولاحظت في الوقائع المسرودة تناقضات، أنهيتها في خطاب إلى الأستاذ مصطفى أمين، ثم قرأت تعقيبكم فاسترحت، خصوصا حين قررتم أن محرم باشا كان صديق كتشنر؛ فقد كان بين ملاحظاتي على القضية، صعوبة التوفيق بين القول بأن الخديو أراد إرضاء كتشنر بتقديم محرم للمحاكمة كبشا للفداء، وبين ما أثبته حكم البراءة - أن محرما هذا كان قد شكا إلى كتشنر تصرفات الخديو. فإن المعنى الخالص من هذا أن محرما ذو علاقة باللورد. ولكنني لا أكتب هذه السطور لمجرد الشك، إنما حفزني إلى كتابتها رغبتي أن تتفضلوا بزيادة القضية إيضاحا، وأن تفردوا لها فصلا خاصا يجلو على الناس هذه الصفحة الوضيئة من صفحات سعد، وينفي من نفوسهم هذا الوهم الضار؛ أعني غيرة المحتلين على العدالة ونزاهة الحكم.
نزاهة غير نزيهة
والأستاذ الزيات على حق في ملاحظاته وفيما استزاده من البيان عن دعوى الاحتلال؛ لأن الواقع المستفاد من جميع القضايا الكبرى، التي تعرض لها قياصرة الاحتلال باسم نزاهة الحكم، أن هذه النزاهة لم تكن نزيهة على الإطلاق، وإنما كانت سبيلا للدعاية أو لتغطية الحقيقة التي تمسه وتمس أولئك القياصرة، وقد كان أنزه هؤلاء القياصرة - من الناحية المالية - لورد كرومر، الذي قضى في الوكالة البريطانية نحو ربع قرن، لم يكن له فيها دعوى غير النزاهة والتنزيه فيما يدور حول العدالة والمساواة، ولكنه لم يكن يعرف عدالة ولا مساواة حين تقضي الدعاية المغرضة قضاءها عليه في أظهر الأمور.
ومن قبيل ذلك أنه قام وقعد لاتهام «المنشاوي باشا» بضرب بعض اللصوص الذين سرقوا ماشية الخديو عباس في جواره، ولم يسترح حتى صدر الحكم بحبس الوجيه المتهم، ليصل من وراء اتهامه إلى اتهام الأمير وحاشيته.
وكرومر هذا بعينه هو الذي أمر بإشعال النار في الحقل الذي اعتصم به اللصوص عند البلينا فماتوا حرقا، ومفتشه وأعوانه يحاصرون المكان ليضربوا كل من خرج منه بالنار.
وهؤلاء لصوص، وأولئك لصوص.
وهؤلاء في طريق المحاكمة، وأولئك في طريق المحاكمة.
ولكن العدالة وقوانين الحضارة الحديثة تسمح لكرومر بإحراق الأحياء، وتقيم القيامة للتشهير بالمصريين إذا اتهم وجيه منهم بجلد هذا أو ذاك من قطاع الطريق.
ولقد وقر في اعتقاد أناس، يعلمون تاريخ ضرب الإسكندرية والمذابح المدبرة، أن «المنشاوي باشا» حوكم لأكثر من سبب واحد في قضية الماشية المشهورة.
Bilinmeyen sayfa