أن أكتب قصة حياته في حلقات مقابل ثلاث سجائر لكل حلقة. وبعد الحلقة الأولى أدركت أني لن أتمكن من المواصلة رغم الإغراء المادي! لم تكن هناك لذة في الكتابة لأني كنت أتعامل مع تجارب لم أعشها. ووجدت هذه اللذة عندما بدأت أصوغ بعض القصص من أجواء طفولتي. هكذا تلقيت درسي الأول؛ ألا أكتب عن شيء إلا إذا كنت أعرفه جيدا. وكان من الطبيعي أن تتحول الطفولة إلى منجم غني بالنسبة للعمل الأول، إلا أني لم ألبث أن توقفت عندما واجهت المشاكل التي يواجهها كل كاتب في بداية عمله؛ أي طريق بين عشرات الطرق والأساليب والمدارس والأشكال؟ •••
في تلك الفترة كنت أشبه بجهاز رادار نشط يتحرك في كل الاتجاهات ليلتقط كل ما يثير المخيلة أو يصلح مادة للكتابة أو يساعد على فهم العملية الإبداعية والحياة نفسها. وأخذت نفسي بجدية شديدة فأخضعت كل دقيقة في اليوم لهدف الكتابة؛ التذكر، القراءة، العلاقات الشخصية والإصغاء إلى الآخرين. كنت قد قررت أن أصبح كاتبا.
وكنت أنتهز فرصة الهدوء الذي يسود العنبر في الصباح عندما يغادره العاملون في المزرعة، فألجأ إلى فرشتي، وأسند الورقة والقلم إلى ركبتي، وأنهمك في تسجيل كل ما يعن لي من خواطر. ويتكرر الأمر في المساء بعد إغلاق السجن وانصراف الحراس إلى ثكناتهم القريبة؛ فبعد العشاء تفتح المخابئ ليحصل كل واحد على أوراقه أو «جواله» وقلمه. وحوالي منتصف الليل يعود كل ذلك إلى مخبئه؛ ولهذا سعيت لأن أصبح أنا نفسي مسئولا عن المخبأ الموجود في زنزانتي كي أضمن مكانا لبنات أفكاري. لكني لم أتمتع بهذه الميزة طويلا؛ ففي أحد الأيام وبينما أنا أستخرج الكتب والأوراق ذات الرائحة الرطبة من المخبأ قام الحراس بحملة تفتيش مفاجئة ولم أتمكن من التصرف بسرعة فوجدوني متلبسا بالجريمة الكبرى.
اقتادني الحراس إلى مكتب المدير وفي أعقابي عدد من المسجونين من ذوي الشخصيات البارزة التي تمثلنا عادة عند التعامل مع الإدارة، مثل
شريف حتاتة
و
سعد عبد اللطيف
و
أحمد الرفاعي . وهناك جرت مواجهة عكست ميزان القوى الجديد في السجن؛ فقد دافع المندوبون عن حقنا في حيازة الكتب، وهدد أحدهم -
فؤاد حبشي - بإعلان العصيان إذا مسني أذى أو صودرت المضبوطات. وقرر المدير أن يتراجع في هدوء ويتغاضى عما حدث وعدت منتصرا بكتبي وأوراقي. •••
Bilinmeyen sayfa